الفوضى العارمة التى أطلق الحزب الحاكم يدها فى المناطق الأثرية بأنحاء البلاد فأغلقت المعابد والمقابر غرب الأقصر واجتاح الباعة الجائلون أهرامات مصر وهى المسمار الأخير فى نعش السياحة المصرية التى كنا نفخر بها ونتباهى أمام العالم أننا نملكها، ولم يحدث فى تاريخ فرنسا أن سمحت الشرطة الفرنسية لمواطنيها بغلق الطريق المؤدى إلى برج إيفل، أو سمح الأسكوتلانديارد فى بريطانيا بقطع طريق قلعة أدنبرة، أو حتى فى أقل الدول مكانة لم نسمع عن سماح الدولة لمواطنيها بتعطيل السياحة كما تسمح الدولة فى مصر المحروسة ولا تضرب بيد من حديد ولا خشب ولا حتى يد من صفيح على يد العابثين بمصير ملايين العاملين فى السياحة..
ويزداد العجب العجاب حين تكون السياحة مصدرا رئيسيا لتمويل خزينة البلاد وممولا طبيعيا – دون عناء ولا تجهيز – لمصر ومواطنيها، فأنت فى مصر تبيع هواء عليلا وشمسا دافئة وأطلالا تركها لك الفراعنة، أى أن الدولة لا تصرف شيئا ولا تعد لها مواد خام ولا تجهيزات سوى بعض الآليات الخدمية الطفيفة، وهذا التسخير من الله ليرتزق الملايين من أهل مصر عامة وأهل المدن السياحية كالأقصر وأسوان والغردقة وغيرها رزقا ساقه الله لهم فلا يمدون أياديهم ينتظرون مرتبا من الدولة فيخففون العبء عنها.
ولكن الدولة ترفض كل هذا ويمتنع المسئولون عن حماية السياحة ويذروها تعانى نيران الفوضى والتهميش وتيسير كل سبل القضاء عليها.
فهل تريد الحكومة بذلك أن تقول للسياحيين أنه يجب عليهم البحث عن عمل آخر يشتغلون به، فيسرحون بعربات خضار ويقفون أمام المدارس بصوانى البسبوسة وقراطيس السودانى والتوت وحب العزيز؟
هل يريد كارهو السياحة أن يتركوا السياحة تقتل نفسها بنفسها، فتتلاشى آثارها مع مرور الوقت، وتتهدم حوائطها تدريجيا، ثم تنزع أحجار الهرم حجرا حجرا لتبنى به القصور والقناطر وأسوار سجون الفكر والرقى الحضارى؟
أم يريدون أن يبيع أصحاب البواخر السياحية مراكبهم ليحرقوا خشبها ليشعلوا ويطلقوا بخور الشعوذة والجهل والتخلف؟
هل تقصد الحكومة بتجاهل الاهتمام بالسياحة والنهوض بها من قبرها حرمان تسعة ملايين عامل بها من رزقهم الذى كتبه الله لهم لأنه رزق حرام كما ادعى البعض؟ فأين البديل الحلال الذى وفرته لهم الدولة؟ فإن لم يكن هناك بديل فالقياس هو استمرارهم فى أعمالهم خشية انتشار البطالة فانتشار الجرائم، لأن السبب الأول للجريمة هو: البطالة، فهل تساعد الدولة على انتشار الجريمة؟
وما هو الأولى قياسا: النهوض بالسياحة – إذا سلمنا أن بها شبهة حرام وهذا غير صحيح – أم تفشى الفقر ونشر الجريمة؟
وما هو العامل المساعد على نشر الفحشاء والفساد فى الأرض: عامل يشتغل بالسياحة ويؤدى فرائض الله أم عاطل لا يجد عملا ويحمل هم عياله فيتعاطى المخدرات ويسرق من أجلها وينهب وربما يقتل من أجل المال؟ أيهما أقرب إلى الله؟
الدولة الجديدة بقيادة الدكتور مرسى قضت على الموسم السياحى وفى طريقها للقضاء على السياحة، وساهمت فى ذلك أيضا توترات المعارضة وجبهات التناحر، ولكن ما ذنب البسطاء الذين لا ناقة لهم ولا جمل فى النزاع على الكراسى بين النظام ومعارضيه ؟ وهل من الدين أن يترك هؤلاء الفقراء يقتاتون الحطب ويبلعون رمال الصحراء دون النظر فى أحوالهم؟ أليست قضاء الحوائج أهم وأولى من الاعتكاف فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
إن على أهل الأقصر وأسوان أن يحموا سياحتهم من التدمير لا أن يقطعوا الطرق ويدمروا أرزاقهم، عليهم أن يحموها بإرادتهم لأن ضياعهم يكون بحرقها وإتلافها، ولا ينتظروا أن تقوم الدولة بذلك، وهذه مهمة مثقفيهم وكوادرهم السياحية، ليعرف العالم أن أهل الأقصر وأسوان حافظوا على كيانهم بثقافتهم التى حافظوا عليها.
يا دكتور مرسى، نظرية القضاء على السياحة لن تجد لها آذانا صاغية، لأن كثيرا من العاملين فيها يتقون الله ما أمرهم، وينتهون عما نهى عنه، وهم ليسوا بالضالين كى ينتظروا الهداية على أيدى الحكومة، فالحكومة لا تهدى ولكن الهادى الله، والكثير منهم هداهم الله له الحمد والثناء، فأنت حين تصلى الفجر فى مسجدك يكون العمال على المراكب السياحية قد بسطوا حصيرهم أيضا وأقاموا الصلاة.. ويرفعون أياديهم بالدعاء إلى رب السماء أن يزيل الغمة ويمحو الكرب إنه سميع عليم.
