شيرين عرفة تكتب: يوميات معلم

السبت، 09 مارس 2013 05:22 م
شيرين عرفة تكتب: يوميات معلم صورة ارشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أكرمنى الله بأن جعلنى أمتهن أعظم المهن وأشرفها على الإطلاق، وهى مهنة تربية النشء وتعليم الأبناء، أحب مهنتى وأحترمها وأستمتع بأدائها، ولطالما آمنت بأن سعادة الإنسان واستمتاعه بما يعمل هو قرار يتخذه الشخص ذاته، ويعمل على تحقيقه، وهو ينبع من داخل نفسه قد تزيده المؤثرات الخارجية فى بعض الأحيان، وقد تضعفه أحايين أخرى، لكن لا توجده من عدم، كما لا يمكنها قتله داخلنا إلا إذا استسلمنا نحن لذلك، وقد قررت أن أستمتع بمهنتى ويعيننى على ذلك دين عظيم أؤمن به ويعدنى بالجنة إذا أخلصت فى عملى وأردت به وجه الله، وهذا ما أدرب نفسى عليه حينما أستحضر نية العمل فى سبيل الله قبل كل يوم أخرج فيه لأداء واجبى، قد يبدو الأمر صعبا فى البداية ولكن عاداتنا البسيطة هى كل ما عودنا عليه أنفسنا مرارا وتكرارا.

بحكم تواجدى بعيدا عن مصر فى دولة خليجية، فقد تعاملت مع جنسيات عربية مختلفة وقمت بالتدريس لهم جميعا، وخرجت من تلك التجربة باقتناع داخلى بأن الطالب المصرى، يتمتع بذكاء حقيقى وقدرة هائلة على الإبداع والابتكار، ولا تنقصه القدرة على النجاح، وإنما فقط تنقصه البيئة الداعمة للنجاح، وأنا هنا لا أقلل من شأن أى جنسية عربية أخرى، ولا أغفل بالطبع الفروق الفردية، وإنما أتكلم بشكل عام من واقع تجربة لن أخوض فيها، وسأكتفى فقط بالحديث عن تجربة عملى كمعلمة فى مدرسة مصرية تقوم بتدريس المناهج المصرية ويجتاز الطلاب اختباراتهم فى نهاية العام، ويتحصلون على درجاتهم عن طريق السفارات المصرية فى تلك البلاد، ومن مزايا تلك التجربة، والتى استفدت منها حقا: هو خلق بيئة مصرية مصغرة بالرغم من بعدنا عن أرض مصر، ففى المدرسة تتشابك ثلاث دوائر جميعهم من فئات مصرية مختلفة، هم دائرة المعلمات والإدارة، ثم دائرة الطلاب، وأخيرا دائرة أولياء أمورهم، حيث يكون تعامل المعلم ضرورى مع أولياء الأمور للمتابعة، وتنسيق الجهود، وفى تلك البيئة المصرية المصغرة تظهر جلية كل مشاكل المصريين وهمومهم التى يحملونها معهم، أينما كانوا بحكم ارتباط المصرى الشديد ببلده، وطبيعة دول الخليج التى تكون فيها إقامة المصريين، إقامة مؤقتة يتيقن فيها المصرى من أنه سيأتى يوم حتما سيعود فيه لوطنه، فهو يعمل حثيثا من أجل هذا اليوم ويفكر فيه مليا، ولذا فلا يستغرب أن تكون أقوى مشاركة للمصريين فى الخارج على صعيد جميع الانتخابات التى أقيمت هى للمقيمين بدول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية والتى تحوى أرضها أكبر جالية مصرية مغتربة فى العالم كله، كما أنها الدولة الوحيدة التى لا تعطى فرصة الإقامة الدائمة أو التملك لأى من العاملين، على أرضها، وذلك من خلال نظام (الكفيل) الذى ما زال ساريا بها حتى الآن، وهذا ما يجعل المصرى فيها مهموما دائما بقضايا وطنه يعيشها لحظة بلحظة، وتمثل دائما أمام عينه تلك اللحظة التى سيقرر فيها بمحض إرادته أو سيجبر عليها بأن يعود ثانية لأرض بلاده، وليس من العجيب أن ترى مصريا يعيش مدة ثلاثين عاما على أرض المملكة، ويتحدث عن هموم ومشاكل مصر التى يعايشها وكأنه مسافر يستقل قطارا، مهما طالت به الرحلة لا تجده يتصور ولو للحظة بأن ذلك القطار قد أصبح بديلا عن بيته الذى يقصده، فى تلك المدرسة المصرية تستطيع أن ترى عن قرب كل خصائص الأسرة المصرية، حينما تتعامل مع أحد أفرادها وهو الابن أو الابنة، وغالبا ما تميل تلك الأسر إلى إيداع أبسنائها جميعا ذات المدرسة، خاصة إذا كانت مدرسة مشتركة تضم الجنسين من البنين والبنات، وما يستطيع أن يخبئه البالغ بحكمة وخبرة السنين لا يستطيع أن يخفيه الابن البرىء الذى لم تلوكه السنون بعد، وبصفة عامة فإن العيوب الفردية التى داخل كل إنسان منا تظهر بوضوح حينما يتغرب عن وطنه، فهو يتعامل مع الجميع بإحساس المسافر الذى لن يلتقى بأى من مرافقيه ثانية، فهو يتصرف على طبيعته لا يجامل ولا يتودد، فهم جميعا فى نظره رفقاء قطار لن يلبث أن يتوقف فى محطات مختلفة ويفترقون جميعا، كانت تلك هى المرة الأولى التى أقوم فيها بالتدريس للبنين، ولن أستطيع أن أخفى أن التجربة كانت جديدة بالكامل على وحملت الكثير من الصعوبات، ولم تنفعنى خبرتى بتعليم الفتيات، فالوضع جد مختلف، وكانت تحضرنى دوما الآية القرآنية (وليس الذكر كالأنثى) (سورة آل عمران) كنت أراها حاضرة ماثلة فى كل مشهد ولقطة تمر أمام عينى، كنت أؤمن بضرورة وحتمية الفصل بين الجنسين فى مرحلة المراهقة، وينبع ذلك الإيمان من خلفية تسليمى بأوامر دينى، واقتناعى بأن (الإسلام) منهج الله هو الأفضل لسعادة الإنسان وتسيير حياته، فهو (الكتالوج) الذى جاء من الصانع مباشرة وبدون تحريف أو تزيف، كما أن اطلاعى على العديد من الدراسات العلمية والنفسية التى تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الفصل بين الجنسين فى مقاعد الدراسة هو الأفضل لهما جميعا، هو الأفضل لصحتهما النفسية ولتحصيلهما الدراسى.
وفى دراسة للباحثة الإنجليزية (جينيفر كوتس) وهى محاضر أول للغة الإنجليزية وعلم اللغة بمعهد (ريهامبثون بلندن) فى كتابها (النساء والرجال واللغة) والذى نشر فى نيويورك عام 1986 وقد قام بتقديم دراسة له الدكتور (أحمد مختار عمر) ونشر الملخص فى (المجلة العربية للعلوم الإنسانية) التى تصدر عن جامعة الكويت، تحدثت الدراسة عن

1- سوء التفاهم بين الرجال والنساء نتيجة تبنى كل منهم قواعد مختلفة للمحادثة وتفسير سلوك الطرف الآخر من وجهة نظره هو.

2- ثم تحدثت عن الآثار السلبية والخطيرة التى تنتج عن الاختلاط فى التعليم بين الجنسين، وبينت الدراسة المشكلات التى تثور فى الفصول الدراسية نتيجة اختلاف السلوك اللغوى بين الذكور والإناث، وقد انتهت الدراسة إلى أنه من النتائج السلبية لإختلاف الأسلوبين بين الذكر والأنثى: إلحاق الضرر بالإناث لأن أسلوبهن يؤدى بهن إلى التحول إلى جنس مسيطر عليه فى المجموعات المختلفة، كما يؤدى لإلحاق الضرر بالذكور لأنهم يفتقدون عنصر التنافس الذى تخمده طريقة المرأة فى المحادثة، وتأتى معظم الأضرار (كما تقول الدراسة) من
1 - قدرة الذكور التواصلية التى تفوق الإناث، على الرغم مما هو مشهور عنهن.
2- حرص الذكور على لفت الأنظار إليهم فى حين يدفع حياء الإناث إلى متابعة كلام الذكور فى صبر.
3- ميل الذكور إلى التفاخر والتظاهر باستسهال الاختبارات الصعبة فى حين أن البنات يظهرن القلق فى أدائهن.
4- المشاركة الإيجابية للذكور والمبالغة فى إظهار تفوقهن اللفظى على الإناث، مما يدفع الإناث لكثير من السلبية
5- كما أظهرت الدراسة ميل الذكور الدائم إلى الاستهزاء بطريقة الإناث فى التحدث والتعامل، فى حين لم تظهر لدى الإناث تلك الرغبة فى السخرية من الذكور.

وانتهت الدراسة إلى القول بأن الاختلاط لدى الجنسين فى مقاعد الدراسة فى فترة المراهقة أمر فى غاية الخطورة، ويحمل الكثير من الآثار السلبية والأضرار للجنسين معا، ويكون الضرر الواقع على الإناث أكبر منه على الذكور.

ومن واقع عملى فى مدرسة أجبرتها الظروف (فى مراحلها الأولى) على ذلك الاختلاط، فقد كانت التجربة تمثل فائدة حقيقية لى، حين تصبح الدراسات تعبر عن واقع ملموس، حينما يمكنك عن قرب أن تتعايش مع كثير من الحقائق التى تقرأها، وتسمع عنها وتؤمن بها فيتحول الإيمان لديك من علم اليقين إلى عين اليقين، لم أستفد فقط من مزايا تلك التجربة الثرية، وإنما استفدت أكثر من عيوبها، حينما وضعت يدى على كثير من المشاكل التى تنجم عن الاختلاط بين الجنسين فى مقاعد الدراسة، وكذلك العديد من المشاكل الصفية التى تقابل المعلمين فى المراحل الدراسية العليا نتيجة ضعف المحتوى العلمى والثقافة المغلوطة التى تكونت عبر سنين فى العقل الجمعى لدينا وتسىء للمعلم وخاصة معلمى اللغة العربية ودراسة اللغة ذاتها،.. مع قلة الإمكانيات وعدم التأهيل الكافى الذى تعانى منه أغلب مدارسنا المصرية.

نشأت مواقف عديدة قابلتنى واستفدت منها حقا، استكمل حديثى عنها فى مقالى القادم بإذن الله.





مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

رضا الشاذلى

شكرا وبارك الله فيك

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة