ها نحن على مشارف عامين كاملين من الثورة التونسية،
لكن ما حققناه بعيد كل البعد عن ما طمحنا إليه.
إن فى اعتقادى ان الساحة السياسية هى المسئولة عن هذه الوضعية المتردية، وذلك لتغليب المصالح الحزبية الضيقة على مصلحة البلاد، وأعتقد أيضا أن التوافق وحده الكفيل للخروج من عنق الزجاجة.
إننا استقبلنا الثورة بطموحات كبيرة ولكننا صدمنا، الوضع الذى وصلت إليه البلاد والذى لا ينذر بخير، حالة اجتماعية متردية وذلك من خلال ارتفاع نسب البطالة وتفاقم الفقر وتهميش للشباب، زد على ذلك الحالة الاقتصادية المتدهورة للبلاد تراجع احتياطى العملة الصعبة وارتفاع نسبة التداين الخارجى أما فى جانب الثقافة والحريات فقد شهد هذا الأخير الكثير من المس.
يمكن تفسير هذا التأخر فى التأسيس للمرحلة القادمة بعديد الأسباب:
*طول مدة أعداد الدستور من طرف المجلس الوطنى التأسيسى.
*عدم إعداد قانون العدالة الانتقالية وتفعيله.
* تأخر تأسيس هيئة عليا للقضاء مستقلة تضمن عدله وحياده.
* توقف عمل الهيئة العليا للانتخابات وعدم الإعداد لانتخابات مقبلة.
* تجاوز الفترة المحددة لعمل المجلس الوطنى التأسيسى والحكومة الانتقالية.
كل هذه العوامل تجعل الرؤية غير واضحة وتدخل البلاد فى حالة من الارتباك الاقتصادى وهو ما يفسر خفض تصنيف البلاد المتواصل من طرف وكالات التصنيف العالمية.
ولكن هذا التدهور قوبل بكثير من اللامبالاة من طرف القوى السياسية. فبعد فترات الدكتاتورية المتعاقبة وحكم الحزب الواحد الذى عاشته البلاد أصبحنا الآن نعيش على وقع الاستقطاب الثنائى بين الحركات الإسلامية والأحزاب الديمقراطية الأكثر حداثة. ولكن هذه الوضعية أضرت بالبلاد كثيرا وهى التى قادت البلاد إلى ما نحن عليه اليوم.
فنظرا لتدهور الوضعية الأمنية وعدم تحييد وزارات السيادة تفشت ظاهرة العنف تحت غطاء التعصب للأفكار والانتماءات الحزبية أو الفكرية. هذه الوضعية فتحت الأبواب لظاهرة العنف والتى مازالت تعرقل مسار الانتقال الديمقراطى وتجعل المطالب التى نادت بها الثورة معلقة إلى حين حل معضلة العنف. إن تتالى أحداث العنف فى البلاد من هجمات متتالية على السياسيين والمثقفين وسط صمت وغياب المحاسبة زادت الطين بلة ومهدت إلى تفشى هذه الظاهرة، وتفاقمت من خلال حرق السفارة الأمريكية ومقامات الأولياء الصالحين والاعتداء المتوصل عليها.
إن تعطل الكشف عن المتسببين فى هذه الأعمال ومحاكمتهم هو الذى مهد إلى ظاهرة غريبة عنا، وعن مجتمعنا المسالم بطبعه وهى عملية اغتيال السياسى شكرى بلعيد.
إن هذا الاغتيال يعد تتويجا بامتياز لعمليات العنف المتتالية فى تونس.
ولكن ما هى الحلول التى يمكن أن نجدها لهذا المأزق.
إن الجلوس على طاولة الحوار رغم الاختلاف وحده الكفيل بتجاوز هذه المرحلة الحرجة.
فتح باب الحوار مع كافة الأطراف السياسية سيسهل عملية الخروج من عنق الزجاجة، فالاختلاف مطروح لا محالة منه، وتبقى الحلول معلقة إلى حين التسريع فى إعداد الانتخابات وصياغة الدستور وانتهاء هذه المرحلة الانتقالية فى أسرع الآجال.
