عندما قامت ثورة 25 يناير، كانت تهدف إلى توفير العيش والحرية والعدالة الاجتماعية لكل المواطنين، خاصة الفقراء والمهمشين، وجميع من كان يعانى شظف العيش وعدم المأوى فى ظل النظام السابق الفاسد.
وأطفال الشوارع فى مقدمة من كان يجب الاهتمام بهم، ورعايتهم بشكل كامل، واحتضانهم لإبعادهم عن الشارع، وإنقاذهم من براثن الشتاء ولهيب الصيف، والنوم على الأرصفة، ومد اليد للتسول للحصول على لقمة تسد الرمق، ولكن هيهات، فالجميع تفرغ للصراع السياسى، والمنافسة على المناصب، وتركوا أطفال الشوارع لمصيرهم دون أدنى اهتمام.
أطفال الشوارع الذين تخلى عنهم الجميع وجدوا فى ميدان التحرير ملاذا لهم، حيث أصبح الميدان وطنا لهم، يهربون فيه من كافة ما يعانونه فى الشارع المصرى من ذل واحتقار لذاتهم، ونعتهم بالعديد من الألفاظ السيئة، يعيشون فيه ويكسبون منه رزقهم بالتسول ممن يدخلون الميدان تارة، أو عن طريق الإتاوة تارة أخرى.
المشكلة الأكبر تتمثل فى اتجاه البعض إلى استخدام أطفال الشوارع هؤلاء فى المظاهرات، للقيام بأعمال تخريبية للانتقام من حزب أو فيصل معين، ليتحول هؤلاء الأطفال إلى بيادق فى لعبة السياسية يتم الدفع بهم وإحراقهم والتضحية بهم، أو استخدامهم كوقود لإشعال الحرائق لاكتساب موقف ما أو التأثير على أحداث جارية.
وتم استغلال بعض أطفال الشوارع فى العديد من الأحداث السياسية التى مرت بها البلاد من مظاهرات واشتباكات وأحداث عنف وإلقاء مولوتوف أو حجارة على قوات الأمن، بل إن البعض استغلهم لإشعال الحرائق، وفى محاولات السطو على المتحف المصرى فى الأيام الأولى للثورة، ثم حريق المجمع العلمى قبل عام تقريبا، مرورا بأحداث محمد محمود الأولى والثانية، وصولا إلى أحداث الاتحادية، وأخيرا أحداث فندق سميراميس والسطو على سيارات الشرطة والمارة، وكل ذلك يقوم به الأطفال دون أن يفهموا ما يرتكبونه، بل ينفذون ما يوكل إليهم نظير مبالغ مالية صغيرة تعينهم على الجوع والبرد.
كما يتجه البعض منهم إلى التسول للحصول على المال والطعام، فى حين يمتهن البعض منهم السرقة والبلطجة.
وأثناء التجول فى ميدان التحرير، تجد العشرات من هؤلاء الاطفال يفترشون جميع ارجاء الميدان ويشعلون النيران للتدفئة، فيما يقوم البعض الاخر منهم بالتسول من المارة طالبا الحصول على أى مبلغ مالى لكى يشترى به طعام.
فيما تجد البعض الآخر منهم أعلى كوبرى قصر النيل، يقومون بقذف قوات الأمن بالحجارة وزجاجات المولوتوف، ويتم القبض على عدد منهم، ويتم الإفراج عنهم باعتبارهم من صغار السن، حيث قام البعض منهم بقطع الطريق وفرض بعض الإتاوات على قائدى السيارات، ويشتبكون مع من يرفض دفع الإتاوات.
فى المقابل تجد البعض من أطفال الشوارع يقفون فى صفوف الأمن للاحتماء بهم، ويقومون بإشعال النيران للتدفئة بمحيط فندق شيبرد بعد توقف الاشتباكات.
وبعد غياب المتظاهرين وأعضاء القوى الثورية والحركات السياسية عن الاشتباكات مع قوات الأمن، أصبح أطفال الشوارع هم الطرف الوحيد الذى يشتبك مع قوات الأمن، حيث يقوم الأطفال بقذف قوات الأمن بالحجارة وعدد من زجاجات المولوتوف حتى أذان الفجر، وفى الصباح يغادرون محيط الاشتباكات للنوم فى الميدان، وبعد أن يستيقظوا يعاودون الاشتباكات فى اليوم التالى.
والتقى "اليوم السابع" مع بعض الأطفال الذين يشتبكون مع الأمن، حيث قال "محمود سيد" 12 سنة، إنه جاء من الشرقية إلى القاهرة لأن والده متوفى ويبحث عن عمل، وتعرف على أحد الشباب الذى طلب منه الذهاب معه إلى ميدان التحرير والعمل معه لبيع الشاى.
وأضاف محمود أنه يغادر الميدان لخوض الاشتباكات ضد الأمن ويعود مرة أخرى بعد عودة الهدوء، مؤكدا أن هناك بعض الأشخاص يأتون فى منتصف الليل بسيارة ويدفعون لكل منهم 100 جنيه، طالبين منهم عدم مغادرة الميدان، قائلا: "ناس بتيجى تصرف علينا وتدينى 100 جنيه، وتقولى اوعى تمشى من التحرير علشان الإخوان هم السبب فى اللى إحنا عايشين فيه دلوقتى".
وأوضح على فاروق (17 سنة)، أن سبب اشتباكهم مع قوات الأمن، لقيامهم بسحل وحبس وقتل زملائهم خلال الثورة، مؤكدا أن وزارة الداخلية تتهمهم بسرقة المنشآت الحكومية.
وأكد محمد حسين (14 سنة)، أنه هرب من أهله بعد وفاة والدته. مضيفا أن والده تزوج، وتغيرت معاملته معه، وهو ما جعله يترك البيت.
وأشار محمد إلى أنه لم يعلم بأنه بميدان التحرير إلا بعد سؤال المارة عن هذا المكان؛ لأنه لم ينزله من قبل. مضيفا أنه فور نزوله ميدان التحرير قامت إحدى النساء من المنتقبات بتقسيمهم إلى صفين أحدهما ممن شارك فى الاشتباكات، والآخر لمن لا يشارك.
وأوضح محمد أنه وقف فى صف الذين شاركوا فى الاشتباكات، وأن السيدة قامت بتوزيع مبلغ 200 جنيه على كل واحد، وطلبت منهم مواصلة الاشتباكات وعدم مغادرة الميدان إلا بعد الانتهاء من بلطجة الداخلية وتطهيرها، مشيرا إلى انه استمر فى الميدان حتى غادرت السيدة، فقام بعد ذلك بالتسول من المارة للحصول على بعض الجنيهات لشراء الطعام، ويؤكد أنه يقف وبعض زملائه بجوار قوات الأمن للاحتماء بهم من الشباب المتواجدين بالميدان، لأنهم "يبلطجون" عليهم، ويأخذون منهم ما يكسبونه فى اليوم من أموال.
أطفال الشوارع.. إهمال الدولة جعلهم وقود الاشتباكات فى التحرير.. يمتهنون التسول والسرقة وفرض الإتاوات للحصول على الطعام.. وأحدهم يؤكد: منتقبة أعطت كلا منا 200 جنيه لنبقى فى الميدان ونشتبك مع الأمن
الخميس، 07 مارس 2013 09:31 ص
أطفال الشوارع