نبيل ناجى يكتب: الثورات والظلم

الثلاثاء، 05 مارس 2013 12:02 ص
نبيل ناجى يكتب: الثورات والظلم صورة ارشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يقول نجيب محفوظ فى رواية (أولاد حارتنا): "ولكن آفة حارتنا النسيان" إشارة إلى تغلب الجديد من الأحداث على القديم منها، هذا عن حارتنا ولكن إن أطلنا التفكير فى أحوال البشر عامة، سنجد أن "آفة البشرية هى الظلم".

وربما ليس من قبيل الصدفة أن تتشابه كلمة "الظلم" فى حروفها مع "الظلمة" حيث أن فى كلا الحالتين يكون الإنسان قابع متألم تحت تأثير الظلم و الظلمة، فالظلم هو الذى يجعل من الأرض أرض دنيا وانعدامه يجعل من الجنة جنة عليا، وكثيرا ما عانى الإنسان من الظلم، وكثيرا ما ظل باحثا عن كرامته الإنسانية؛ لأن الظلم هو سلب الحقوق والكرامة هى الحصول عليها.

وقد انفرد الإنسان عن جميع مخلوقات الأرض بظلم إنسان آخر شريك له فى الإنسانية من خلال القوة الفردية البدنية أو القوة الجماعية العسكرية، وقد برر البعض احتمال الظلم بحجة اجتياز الظروف الحالية الصعبة والمرور من عنق الزجاجة، ولكن لن يكون الظلم هو الوسيلة التى تبرر الغاية مهما كانت حسنة؛ لأن إن كانت كرامة الإنسان هى الغاية، كيف يكون الظلم هو وسيلتها؟

وتميز الإنسان أيضا عن باقى المخلوقات أنه استطاع أن يأكل لحم إنسان آخر إرضاء لذاته ولغريزة الحياة، فقد نجد الوحوش والضوارى من الممكن أن يتقاتلوا حتى الموت، ولكننا لم نجد أحدهم أكل لحم الآخر، أما فى عالم الإنسان وجد ما يُعرف بـ "آكلى لحوم البشر" وعادة ما يأكلون الغرباء الغير منتميين لنفس القبيلة، حيث أن علة هذا المسلك هو امتهان كرامة الآخر وتحقيره.

وإن كان هذا النموذج غير موجود فى العالم المتحضر الآن، هذا لأن مظاهر الظلم تغيرت من مادية جسدية إلى معنوية حقوقية، ورغم ذلك ظل الظلم البدنى موجودا حيث تنتهك كرامة الإنسان فى أوقات الحروب والاضطرابات، أو بسبب الخلافات السياسية أو المذهبية، وهذا ما يحدث فى الحروب الأهلية التى عادة ما تقوم بسبب اختلافات عرقية أو مذهبية.

وبدون تعجب – تجد إن فى المجتمعات ذات الرفاهية المحدودة أو المهزوزة أو المعدومة يطبق" قاعدة العرض والطلب" حتى على الإنسان، فعندما يكون المعروض من فرص العمل أقل بكثير من طالبيها تقل قيمة طالب العمل ويقتطع أجزاء من حقوقه، أما صاحب العمل فيتجبر ويتكبر ودائما ما يهدد العامل بأنه إن لم يرغب فى هذا العمل سيجد فى خلال دقائق معدودة العشرات ممن يرضون به، ولا يجد العامل مفر من القبول بالأمر الواقع، وهذا ما يؤدى غالبا للثورة؛ لذلك نجد العمال دائما فى مقدمة الغاضبين والثائرين.

والإنسان عندما تسامى عن التغذى على دماء الإنسان، تغذى عليه بشكل آخر عندما استعبد الآخر الضعيف وسلب حقوقه، حتى لو كانت العبودية بصورتها القديمة غير موجودة الآن، لكن العبودية الحديثة تم السماح فيها للمستعبَد أن يقبض جزء من ثمن استعباده؛ فعمالة الأطفال والمتاجرة بالأجساد وتسخير الأفراد فى أعمال ضد الإنسانية تعتبر من أشكال العبودية.

وأحيانا ما يلبس الظالمون رداء الحملان ويبررون ظلمهم أما بدعاية سياسية بأن هذا هو النظام وبديله الفوضى، أو بغطاء ديني، أو شعارات عاطفية بأننا علينا أن نتعب ونتغاضى لكى نجتاز المرحلة الصعبة، أو باتهامات تخويفية وتخوينية من خلال نظرية المؤامرة بتشويه المعارضين بأنهم أصحاب الأجندات الخارجية.
لذلك كانت الثورات على مر التاريخ ضد الظلم وبحثا عن العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وإن لم يصل العدل للشعوب، فلن تتوقف الثورات.





مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

sameh

رائع

مقال ممتار يا نبيل وهذا هو حال مصر الان

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة