د.محمود رفعت

استعادة أموال مصر المنهوبة من الخارج.. التسهيلات والتحديات

الأحد، 31 مارس 2013 06:49 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يظن البعض أن مصطلح أموال مصر بالخارج يقتصر على ما تم إخراجه بطرق مختلفة من الفساد فى عصر الرئيس السابق محمد حسنى مبارك من أموال كانت قد تم التواطؤ على سرقتها من بعض البنوك المصرية أو من ثروات تضخمت لبعض الأفراد دون معرفة سبب هذا الثراء الفاحش وما إلى ذلك من أساليب وطرق فساد شابت جمع الأموال فى الداخل المصرى قبل إخراجها، لكن للأسف فإن تهريب الأموال المصرية إلى الخارج بدأ بعد نكسة 1967 مباشرة، ولكنه تم على نطاق أوسع متخذا غطاءات سياسية فى بداية حكم الرئيس الراحل محمد أنور السادات...كيف؟
رأى السادات - وربما كان معه الحق- أن رجال ناصر لا يصلحون لمرحلته البرجماتية التى أراد أن يطبق فيها سياسة من صنعه هو، حيث يكون هو المايسترو للإيقاع بأكمله متخليا عن جلباب الحقبة الناصرية، ولسلمية الرجل فإنه أبعد رجالات ناصر بطرق مختلفة دون تصفية أحدهم، من هذه الطرق ما كان الإحالة إلى التقاعد ومنها إيكال مهام تبعده عن دائرته..إلخ، ولكن كان أيضا منها ما هو الإبعاد عن طريق التسوية وهذه الشريحة هى محل هذه المقالة.

كان للبعض فى دوائر صنع القرار تغلغل ونفوذ ليس فقط بين صفوف الجيش، لكن أيضا فى الأجهزة الاستخباراتية حيث كان إبعادهم يقتضى نوعا مختلفا من التسوية، ولازلنا لا نعرف إلا القشور عن قصصهم، من هؤلاء شمس بدران مسئول المخابرات الحربية إبان الحقبة الناصرية وهو لا زال حيا يرزق فى لندن، ومنهم من رحل عن عالمنا مثل أشرف مروان. كانت مقتضيات التسوية مع هذه الشريحة تشتمل على ثلاث عناصر، أولا: أن يخرج بعض رجال الحرس القديم لمكان آمن، ثانيا: أن يخرجوا ومعهم ثروات تؤمن حياتهم التى اعتادوها، ولكن يبقى العنصر الثالث هو الأهم والأخطر وهو أن لا تتم ملاحقتهم قضائيا بعد خروجهم من مصر، ومن هنا وقع الاختيار على لندن وهذا العنصر هو ما يفسر أيضا أن مصر لم توقع حتى الآن اتفاقية تسليم مجرمين أو تبادل مجرمين مع بريطانيا.

حينما تناولت الدراما المصرية فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى قصص هروب رجال أعمال ونواب برلمانيين وغيرهم احتالوا لسرقة قوت الشعب، كان فى ذلك رصد لواقعة تتم بصور منهجية دون ذكر طرق إرجاع تلك الأموال على سهولتها، ولا يزال الأمر غير صعب إذا ما اتبعت الطرق القانونية الصحيحة لذلك، وأولى تلك الطرق لذلك هى تحديد أشكال الأموال المهربة وهى نوعان: عقارات ومنقولات.. بالنسبة للعقارات، فإنها لا تمثل مشكلة حيث تحديدها ليس من الصعوبة بمكان، حتى وإن كتبت بأسماء غير أسماء أصحابها بغية التهرب، لكن الأمر يكون أكثر دقة بالنسبة للمنقولات، حيث منها ما هو أموال غير مودعة فى بنوك، ومنها ما هو مجوهرات أو مقتنيات ثمينة، ويمكن لهذا النوع تحديده أيضا لكن بمجهود أكبر، ويستلزم تحريات دقيقة نوعا ما، لكن الشكل الأخطر هو ما يسمى بسند لحامله، حيث يعرف القانون الإنجليزى هذا النوع من المال بأن هذا السند أو الصك يعطى لحامله حق الاستحواذ على المبلغ المذكور فى السند دون ذكر اسمه أو حتى التحقق من شخصيته، وعليه فإنه بإمكان من يحمل هذا السند الاستحواذ على ما به من أموال دون أى عناء. ولكن لكل وسيلة تهريب للأموال المصرية مما تقدم وسائل كشف يعرفها – أو يفترض أن يعرفها - العاملون بكل من إدارة مباحث الأموال بوزارة الداخلية وإدارة القانون الدولى بوزارة الخارجية، وإن لم تكن هاتان الإدارتان أو أحدهما تملك الخبرات الكافية فى هذا الإطار، فإن ذلك تقصير يحسب عليها، ذلك كون الارتكان لمكاتب المحاماة الأجنبية يعد عملية سرقة أخرى لأموال وقوت الشعب المصرى إذ إن المنوط بإرجاع أموال مصر هم رجال مصر أنفسهم، كما أرجعوا أرض طابا من قبل.

فإذا اكتملت العناصر الموضوعية أعلاه من تحديد ماهية وأشكال الأموال المهربة وتم تأهيل الكوادر القادرة على التعامل القانونى الصحيح معها، فإنه سيبقى الشق الإجرائى والشق الإجرائى يكمن فى أحكام قضائية باتة ونهائية أو فى تحقيقات تجريها النيابة العامة بناء على أسس موضوعية ونزيهة، ومن أسباب النزاهة هو احترام هيبة المؤسسة القضائية وعدم تصارع السلطة التنفيذية معها لإطاحة هيبة تلك المؤسسة القضائية كما حدث من حصار للمحكمة الدستورية ولا يزال يحدث من كيل الاتهامات للمؤسسة المصرية العريقة ولا أدل على ذلك من قرار النائب العام السويسرى بالتوقف عن السير فى قضايا أموال مصر بسويسرا بعد حصار المحكمة الدستورية فى مصر وتعيين النائب العام طلعت عبد الله بطريقة ارتآها النائب العام السويسرى طريقة غير شرعية.

ومن نافلة القول أن نذكر أيضا بمقولة إن الوقاية خير من العلاج التى تقتضى الآن (بدون الخوض فى أمر تقنين الجماعة الحاكمة فى مصر من عدمه) أن يكون هناك نوع من العين المفتوحة على الأوضاع المالية لأركان الحكم فى مصر الآن، لا سيما وأن كل الشواهد تشير إلى تدفق بين الداخل والخارج المصرى، فرجل الأعمال الإيطالى من أصل مصرى يوسف ندا المفوض للعلاقات الدولية فى جماعة الإخوان المسلمين قد ذكر اسمه فى العديد من عمليات إدخال أموال للداخل المصرى لا يعرف حتى الآن فى ماذا استخدمت تلك الأموال، وكذلك فإنه ذكر فى العديد من التقارير الأوروبية والأمريكية أن بعض رموز الإخوان قاموا بعد وصولهم سدة الحكم بمصر بإخراج مبالغ كبيرة من مصر.

* رئيس المعهد الأوروبى للقانون الدولى والدراسات الاستراتيجية – بروكسيل.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة