نشرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية تقريراً مطولاً عن تفاصيل حياة "الطائفة اليهودية" فى مصر منذ بداية القرن الماضى، وتحديداً منذ عهد الملك فاروق وحتى عصر حكم "الإخوان المسلمين"، موضحة أن عدد أبناء الجالية أصبح قليلا للغاية، خاصة بعد وصول جماعة "الإخوان المسلمين" لحكم مصر، مشيرة إلى أنهم أجبروا على الابتعاد عن الأضواء ويضطرون للاحتفال بعيد "الفصح" و"شعائرهم" الدينية المختلفة فى الخفاء خوفاً من الاضطهاد.
عساف جابور مراسل "معاريف" الذى أوفدته الصحيفة للقاهرة والإسكندرية لإجراء هذا التحقيق الصحفى عن حياة "يهود مصر"، أكد أن معبد "إيليا" الكائن فى 69 شارع النبى دانيال بالإسكندرية والذى كان يعد أكبر مركز للجالية اليهودية هناك تم تحويل معظم بنياته إلى مكتبات ومدارس بل وإلى مساجد أيضاً، مشيراً إلى أن هذا المعبد كان يخدم حوالى 35000 من يهود المدينة الذين كانوا يعيشون حياة حضارية مزدهرة منذ بداية القرن الماضى وفى عهد الملك فاروق وفؤاد الأول.
وأجرى عساف بعض اللقاءات مع أبناء الجالية اليهودية، بالإضافة إلى حوار مقتضب مع حارس المعبد مسلم الديانة يدعى "أبو أحمد" والذى قال له: "لمدة 40 عاماً وأنا المسئول عن مفاتيح الكنيس اليهودى، وكانت الحياة طوال هذه الفترة تتمتع بالاحترام المتبادل وفرحة الأطفال الزائرين لهذه المكان"، مضيفاً أن المكان أصبح الآن فارغاً ونادراً ما يأتى أحد من أبناء الجالية لزيارة المعبد.
وأوضح مراسل الصحيفة العبرية، أن المجتمع اليهودى فى مصر بلغ ذروته فى النصف الأول من القرن الماضى، حيث كان يعيش على أرض مصر حوالى 100 ألف يهودى، ولكن منذ عام 1948 اتخذت الحكومة المصرية إجراءات استباقية لطرد ونفى أعضاء الجالية اليهودية خارج البلاد، بما فى ذلك العقوبات وحملات المقاطعة ضدهم وجمعهم فى معسكرات الاعتقال وتعرضهم للضرب والإهانات، وفى بعض الأحيان للقتل ومن ثم تأميم معظم أصولهم وممتلكاتهم من قبل نظام الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر باستثناء بعض الأماكن الثقافية الخاصة بهم وحوالى 50 معابد يهودى فى القاهرة والإسكندرية، والتى تم تحديدهم بعد ذلك من مواقع التراث المصرية الخاصة باليهود.
وكشف تقرير الصحيفة الإسرائيلية، أنه بعد ثلاث موجات كبيرة من الهجرات على مر السنين الماضية لا تزال طائفة يهودية صغيرة للغاية تتكون فى الأساس من 20 فرداً فقط معظمهم من الأرامل والعجائز تحت رئاسة زعيمة الطائفة كارمن اينشتاين والتى تعيش بمدينة الإسكندرية.
وأشار مراسل الصحيفة العبرية إلى زيارة قام بها من قبل عام 2010 إلى مصر، موضحا أن الوضع الحالى أصبح متفاقما للغاية مما كانت عليه الأحوال منذ 3 سنوات خاصة بعد الإطاحة بالرئيس السابق حسنى مبارك وصعود "الإخوان المسلمين" للسلطة.
وأضاف عساف، أن الأقلية اليهودية التى تعيش فى مصر حالياً تعمل فى الخفاء وتؤدى شعائر دينها سراً، بل يصل الأمر أحيانا بعدم كشف ديانتهم حتى لا يتعرضون لأى أذى.
وأوضح عساف، أن الوضع الدبلوماسى الحالى بين القاهرة وتل أبيب ليست كما ينبغى مما أثر بالسلب على الطائفة اليهودية، مشيراً إلى أنه منذ تعرض مقر السفارة الإسرائيلية فى سبتمبر 2011 للاقتحام من جانب عدد من المتظاهرين المصريين الغاضبين وعدم فتح سفارة جديدة فى القاهرة حتى الآن وعدم تواجد السفير يعقوب آمتاى بصورة دائمة فى القاهرة وسفر الفريق الدبلوماسى المرافق له باستمرار لتل أبيب أدى لتقليل عدد الجالية بصورة أكبر.
وقال عساف، إنه على الرغم من الوضع الصعب الذى تعيشه الجالية اليهودية حالياً فى القاهرة إلا أن هذا المجتمع الصغير يسعى ليعيش حياة هادئة وأن المجتمع الإسرائيلى دائما يتشوق لسماع أخبارهم باستمرار.
وأضاف المراسل الإسرائيلى، أنه حاول التواصل مع رئيسة الجالية اليهودية لسؤالها عن الترتيبات التى ستتخذها الجالية للاحتفال بعيد "الفصح" اليهودى هذا العام، إلا أنه فوجئ بجملة واحدة منها: "أنا آسفة جداً، نحن لا نتحدث إلى الصحفيين".
وعاد عساف للحديث مجدداً عن معبد "إيليا" اليهودى بالإسكندرية خلال تقريره، موضحا أنه يعد من أكبر المعابد اليهودية فى مصر وأنه قد بنى على الطراز الأوروبى، حيث يحاط جميع جوانبه بالمصابيح الرائعة الشكل وأعمدة الرخام الأبيض المطعمة بالفضة، مشيراً إلى أنه يضم عدداً من نسخ الوصايا العشر، بالإضافة إلى حوالى 57 مخطوطة من مخطوطات التوراة القديمة، والتى أعلنت الحكومة المصرية بأنها من الممتلكات المصرية ولا يسمح لخروجها خارج البلاد.
وزعم عساف، أن المبنى الذى يحتوى على عدد من الطوابق القليلة معرض للانهيار فى أى وقت بسبب التصدع الذى لحق بأحد جدرانه نتيجة عمليات البناء المحيطة به، مشيراً إلى أن هذا المعبد شاهد على حياة ومدارس وروح الجالية اليهودية فى مصر، التى لم يعد لها وجود يذكر، على حد قوله.
وفى السياق نفسه، أجرى مراسل الصحيفة العبرية حواراً مع يتسحاق ليفانون السفير الإسرائيلى السابق لدى القاهرة والذى وقعت فى عهدته حادثة اقتحام السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، وقال ليفانون إن أبناء الجالية اليهودية كانوا يؤدن شعائرهم الدينية بكل حرية خلال عصر الرئيس حسنى مبارك وأنه كان يذهب شخصياً لأداة الصلاة فى معبد "شعار هاشميم" أى (أبواب السماء) فى شارع عدلى بوسط القاهرة، مضيفاً أنه يشعر أن هذا الأمر قد يكون مختلفا لأبناء الجالية الموجدين حالياً فى مصر بسبب الظروف الأمنية غير المستقرة.
وعلق السفير الإسرائيلى السابق عن امتناع وخوف رئيسة الجالية اليهودية فى مصر من الحديث مع عساف، قائلاً: "إن رئيسة المجتمع اليهودى فى مصر كارمن وينشتاين تعمل بجد من أجل الاطمئنان على سلامة الجالية اليهودية وتخشى من الحديث حتى لا تتعرض لأى مضايقات"، مشيراً إلى أنه فى ظل الحكم الإسلامى للبلاد جعل الجالية اليهودية تشعر بنوع من الخوف من الاضطهاد الدينى حتى أنها ألغت لأول مرة فى مصر الاحتفال بعيد "الفصح" العام الحالى، مما يؤكد المخاوف التى يتعرض لها أبناء الجالية اليهودية.
وأشار ليفانون إلى أنه المتبع فى احتفالات الجاليات اليهودية فى الخارج القيام بعمل مائدة كبيرة ودعوة الدبلوماسيين من السفارات الأجنبية وعلى رأسهم السفير الأمريكى للمشاركة فى فعاليات الاحتفال، مضيفاً أن هذا الأمر لن يحدث هذا العام فى مصر بسبب المخاوف الأمنية.
وكشف السفير الإسرائيلى السابق، أن تل أبيب تطالب القاهرة بتوفير الحماية للمتبقين من أبناء الجالية اليهودية فى مصر وترميم المعابد وتوفير الأجواء المناسبة لتأدية الشعائر اليهودية.
وأضاف ليفانون، أنه إذا لم يسقط مبارك فما كان توجد مخاوف لدى أبناء الجالية، مشيراً إلى سلوك وحياة يهود مصر لم يكن سراً فى عصر مبارك بل كانوا يعيشون حياتهم بكل حرية، مضيفاً: "على سبيل المثال قامت الحكومة المصرية بترميم معبد بن عزرا بتكلفة 4 ملايين دولار، بل أن القاهرة رممت مخطوطات الجنيزا، مجموعة ضخمة من المخطوطات والكتب اليهودية القديمة، التى تم العثور عليها فى معبد موسى بن ميمون بالقاهرة والتى كانت تسلط الضوء على حياة الطائفة اليهودية فى مصر والدول العربية خلال العقود الماضية".
وفى السياق نفسه، أشار مراسل الصحيفة العبرية خلال تقريره إلى أن معبد "موسى بن ميمون" والمعروف باسم "رمبام" فى القاهرة تم تجديده خلال حكم حسنى مبارك قبل الثورة التى نشبت ضده بتكلفة قدرها 5.5 مليون دولار، مضيفا أنه قبل ترميمه كان عبارة عن مقبرة لمخطوطات وكتب يهودية قديمة حتى ظهرت للنور بعد ترميمه والاهتمام بها كأحدى أهم وثائق التراث المصرى.
ونقل عساف عن أحد أبناء الجالية اليهودية، الذى ترك مصر يدعى رحاف ديليا الذى ترك مصر وهو فى عمر 11 عاما قوله: "إن معبد أبواب السماء بشارع عدلى فى القاهرة الكنيس الوحيد الذى لا يزال قيد الاستخدام حتى الآن وكان موظفو السفارة وأبناء الجالية يزورونه باستمرار"، مضيفاً: "إن جدى الذى كان متدينا للغاية كان يذهب باستمرار إلى هناك تقريبا كل يوم، وكنت أذهب معه خصوصا خلال الأعياد، وبالرغم من أنه فى أحدى الأيام كان الجو حارا جدا إلا أننى كنت أذهب معه".
وأضاف ديليا: "فى الستينات من القرن الماضى كانت حياتنا محدودة للغاية بعد عمليات الاضطهاد التى تعرضنا لها، وبالتالى فإن الشعور الجماعى فى الكنيس كان مقلقا وبالرغم من هذا كنا نغنى الأغانى التقليدية، ونرتدى الملابس الجميلة فى أعيادنا.. ولن ننسى ايام الترف التى كنا نعيشها فى مصر".
"معاريف": الجالية اليهودية "20 فرداً" تعيش أسوأ فتراتها وتلغى الاحتفال بالعيد تحت حكم الإسلاميين.. الطائفة كانت 100 ألف قبل 1948 هجرت وأجبر الباقون على الانزواء ومعابدهم تحولت لمساجد
السبت، 30 مارس 2013 12:49 م