فى حيثيات حكم مذبحة بورسعيد..المحكمة تؤكد:سيذكر التاريخ أن قضاء مصر لملم أحشاءها..والألترس ظاهرة أوروبية..والإعلام الرياضى أشعل الفرقة بين الجماهير..وعودة الأنشطة الرياضية بعد الثورة قرار غير مدروس

السبت، 30 مارس 2013 11:31 ص
فى حيثيات حكم مذبحة بورسعيد..المحكمة تؤكد:سيذكر التاريخ أن قضاء مصر لملم أحشاءها..والألترس ظاهرة أوروبية..والإعلام الرياضى أشعل الفرقة بين الجماهير..وعودة الأنشطة الرياضية بعد الثورة قرار غير مدروس المتهمين فى محاكمة بورسعيد
كتب محمد عبد الرازق

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أودعت محكمة جنايات بورسعيد، أسباب حكمها فى واحدة من كبرى الأحداث المأساوية التى مرت بها مصر، وهى أحداث مذبحة إستاد بورسعيد، التى راح ضحيتها نحو 74 شابا، وأصيب المئات فى أعقاب مباراة كرة القدم، بين ناديى الأهلى والمصرى، وأدانت فيها المحكمة 45 متهما بعقوبات متفاوتة، وبرأت 28 آخرين، حيث عاقبت 21 متهما بالإعدام شنقا، والمؤبد لـ5 متهمين، والسجن المشدد 15 عاما لـ10 بينهم مدير أمن بورسعيد السابق، ومدير شرطة المسطحات بالمحافظة، والذى كان مكلفا بخدمه بوابة المدرج الشرقى، ومسئول الإضاءة بالنادى المصرى، والسجن 10 سنوات لـ6 متهمين، والسجن 5 سنوات لمتهمين والحبس عام لمتهم.


سطرت المحكمة برئاسة المستشار صبحى عبد المجيد الحيثيات فى 177 ورقة استعرضت خلالها وقائع القضية، وما استندت إليه فى أحكام الإدانة والبراءة وما دار بجلسات المحاكمة التى انعقدت بعضوية المستشارين طارق جاد المتولى، ومحمد عبد الكريم عبد الرحمن، وحضور فريق من النيابة العامة ضم كلا من محمود الحفناوى، وكمال مختار عيد، ومحمد جميل، وعبد الرؤوف أبو زيد،
واستهلت أسبابها مؤكدة أن قضاء مصر الشامخ لم ولن يكون قضاء للثورات، أو قضاء للأنظمة الحاكمة، وإنما هو قضاء شعب مصر جميعه، وسوف يذكر التاريخ أن هذا القضاء هو الذى لملم أحشاء مصر خلال فترة الثورة، كما حمى جيشها العظيم أبناء الوطن، وحافظ على سلامة أراضيه.

وتناولت الأسباب أهالى محافظة بورسعيد، مؤكدة أنه ما أن علم شعب بورسعيد الحر الأبى بالواقعة، حتى هبوا على بكرة أبيهم يجوبون الشوارع والميادين للبحث عن هؤلاء الجناة العتاة لضبطهم، وتسليمهم للعدالة، لكى ينفضوا الغبار عن وجه مدينتهم المشرقة الجميلة، ويزيلون عن ثوبها الأبيض الناصع البياض هذه البقعة السوداء، فالمجنى عليهم قتلوا، وأصيبوا فى دقائق معدودات فى مباراة يقال لها مجازا أنها كرة القدم، كما أنهم أبناؤهم وأبناء مصر جميعا، وهذا العدد الرهيب من القتلى والجرحى لم تشهده بلادنا الحبيبة منذ أعنف الغارات الحربية، التى شنها العدو الصهيونى الغاشم على بلادنا خلال حرب الاستنزاف، وها هم أهالى بورسعيد، يتمكنون من ضبط المتهم الأول، وسلموه بأيديهم للعدالة، كما أن ثمانية من شهود الإثبات هم من أبناء بورسعيد الذين حضروا من تلقاء أنفسهم ليشهدوا مع باقى الشهود على ما شاهدوه، وما اقترفه المتهمون من جرم

تطرقت الحيثيات للحديث عن ظاهرة الألتراس والإعلام الرياضى، موضحة أنه تلاحظ فى السنوات الأخيرة انتشار ظاهرة روابط تشجيع الأندية الرياضية الألتراس، والتى انتقلت إلى مصر من الملاعب الأوروبية وأمريكا الجنوبية.

وأوضحت المحكمة فى أسبابها أنه نظرا لعدم التعامل مع تلك الظاهرة، وبحث أسباب انتشارها واستثمارها فى النهوض بالرياضة المصرية، بتوجيهم الوجهة الصحيحة صارت وسيلة ضغط على الأندية، وتدخلت فى شئونها الإدارية والفنية، وساعدهم على ذلك ضعف بعض مجالس إدارات الأندية، وتمسكها بمقاعدها وأحيانا تسند هذه الإدارات لمن هم غير مؤهلين، لذلك أصبح ضرر هذه الروابط أكثر من نفعها وساهم فى ذلك إعلام رياضى تسلل إليه على حين غفلة من أهله، من هم غير متخصصين، فكل من مارس الرياضة يوما، أو لم يمارسها زاول مهنة الإعلام الرياضى، دون أن يكون مؤهل علميا أو أكاديميا لممارسة هذا العمل الخطير، فنجد منهم من يتولى الدفاع عن تلك الروابط، وتبنى أفكارهم والآخر اتخذ موقفا مضادا للأول دون بحث أو تحليل، وهذه الروابط تنتمى بالقطع إلى الأندية الرياضية ذات الجماهير العريضة، وقد يكون الإعلامى أحد أبناء هذا النادى، أو ذاك فعندما يقدم خبرا ما ويدعى الحيادية إلا أن أسارير وجهه وصرير قلمه وعدسة كاميرته وطريقة إذاعته، أو نشره للخبر تفضح انتماؤه وزيادة الفرقة، والتعصب بين الروابط، بدلا من التقريب وبث الروح الرياضية.

وقد اندس بعض من مثيرى الشغب بين هذه الروابط، وحاول الأمن السيطرة عليهم فعاملهم أحيانا بعنف فازدادوا عنفا، وعندما أراد تطبيق القانون عليهم، وقام بضبطهم سارعت بعض الإدارات الرياضية باللهث خلفهم للحيلولة دون ذلك، فازدادت الأمور سوءا، وتخبطت الإدارات الرياضية فى قراراتها الانضباطية نحوهم، وفشلت فى التعامل مع تلك الظاهرة والتى عندما استشرت فى الدول المصدرة إليها، وساد الشغب بملاعبها تصدت لها بحسم وجزم واجتثت المفسدين من بينهم، وطبقت القانون إذ كلما غاب القانون عمت الفوضى، وفى الفترة الأخيرة ازداد الأمر سوءا، وبعد ثورة 25 يناير، وما صاحب ذلك من انفلات أمنى وأخلاقى، بعد أن حاول أعداء الوطن إجهاض جهاز الأمن المصرى العريق، وتوقفت على إثر ذلك الأنشطة الرياضية، إلى أن بدأت تعود تدريجيا بقرارات قد تكون غير مدروسة ومأمونة العواقب، وتداخلت فيها جهات عديدة كل بحسب رؤيته ومصلحته الخاصة، ودون إعلاء لمصلحة الوطن
سردت الأسباب تفاصيل وقائع ما دار فى إستاد بورسعيد، وما استندت إليه فى إدانة المتهمين.

وأشارت إلى أنه عندما أعلن عن تحديد مباراة كرة القدم بين ناديى الأهلى والمصرى فى الأول من فبراير العام الماضى، حتى بدأت الحرب الكلامية تشتد بين جمهور الفريقين، نظرا لحالة الاحتقان الشديد الدائم بينهما، فجمهور ألتراس الأهلى حضر إلى بورسعيد فى بداية عام2011، وأتلف بعض من مبانى محطة سكك حديد بورسعيد ومحيطها، وأثار ذلك حفيظة جمهور ألتراس المصرى، ورسخ فكرة الثأر لديهم فرد بروابطه الثلاثة ألتراس مصراوى وسوبر جرين وجرين إيجلز، بعنف شديد وصل ذروته إلى تهديد كل من يأتى من ألتراس الأهلى لمشاهدة المباراة بالقتل، وقامت الرابطة الأخيرة جرين إيجلز بتأليف الأغنية الشهيرة "لوجاى بورسعيد.. أكتب لأمك وصية.. علشان هتموت أكيد.. وملكش أى دية".

ورصدت الأجهزة الأمنية ببورسعيد، كل ذلك الشحن المعنوى والاحتقان الزائد عن كل مباراة سابقة بين الفريقين، والتى تنذر بعواقب وخيمة، وأبلغت المتهم الثانى والستون عصام الدين سمك مدير أمن بورسعيد السابق، إلا أنه أصر على إقامة المباراة فى موعدها واجتمعت روابط ألتراس المصرى الثلاث صباح يوم المباراة، كل فى المكان المخصص له، وبالاتفاق فيما بينهم لإعداد وسيلة تنفيذ جريمتهم الشنعاء، فأعدوا لهذا الغرض أسلحة بيضاء بكافة أنواعها، وعصا وكمية من الحجارة وشماريخ وباراشوتات وصواريخ نارية وصواعق كهربائية، كما أعدوا ولأول مرة عصا بيضاء تشع نورا أخضر عند إضاءتها لاستخدامها للتعرف على بعضهم البعض لحظة الهجوم على المجنى عليهم، بالمدرجات حال قيام المتهم توفيق ملكان صبحية مهندس كهرباء، والإذاعة الداخلية بالإستاد بإطفاء الأنوار عقب المباراة مباشرة.

وكانت من بين عناصر تنفيذ جريمتهم تقسيم أنفسهم إلى مجموعات تترصد جمهور ألتراس الأهلى فى الأماكن التى أيقنوا سلفا قدومهم إليها، فتوجهت المجموعة الأولى يوم المباراة إلى محطة القطار للاعتداء عليهم لحظة وصولهم، وفشلت هذه المجموعة فى تحقيق مأربها نظرا لقيام الأمن والقوات المسلحة بتغيير خط سير وصول الجماهير، والمجموعة الثانية كانت تترصدهم عند مدخل الإستاد ونجحت فى تنفيذ ما اتفقوا عليه، فما أن شاهدوا حافلات جماهير ألتراس الأهلى حتى بادرتهم بوابل من الحجارة ألقوها عليهم، ما أدى إلى إصابة بعض المجنى عليهم، وكان من بين عناصر هذه الخطة أيضا الاستعانة ببعض المتهمين من أرباب السوابق، والذين ليست لهم علاقة بكرة القدم، للاشتراك معهم فى قتل المجنى عليهم، على أن يلتقى الجميع داخل الإستاد والهجوم على المجنى عليهم، وقتلهم عقب انتهاء المباراة، ثم قامت الروابط بتوزيع أنفسهم داخل الإستاد فاستقرت رابطتى ألتراس مصراوى وجرين إيجلز بالمدرج الغربى، بينما جلست رابطة سوبر جرين بالمدرج البحرى الشرقى، حتى يتمكنوا من الإطباق على جمهور ألتراس الأهلى، ومحاصرتهم بالمدرج الشرقى لحظة الانقضاض عليهم عقب انتهاء المباراة وما أن دخل جمهور ألتراس الأهلى من باب المدرج الشرقى، المعين على خدمته المتهم محمد محمد سعد ضابط شرطة، حتى فوجئوا على غير العادة فى المباريات بقيام المتهم توفيق ملكان مسئول الإذاعة الداخلية بالإستاد، بقطع البث الإذاعى، والإعلان عن وصول ألتراس الأهلى، وكأنه يعلن عن وصول الضحايا، فبادرهم ألتراس المصرى بإعداده الغفيرة التى تزيد عن السعة المقررة للإستاد، والذى تمكن من دخوله، بعد أن فتح لهم مدير الأمن أبوابه على مصرعيه دون الحصول على تذاكر لحضور المباراة ودون تفتيشهم، لضبط ما يحوزوه من أسلحة، وما أن استقر المجنى عليهم فى أماكنهم، أبصروا لافتة مرفوعة بالمدرج الغربى المخصص لألتراس المصرى مدون عليها باللغة الإنجليزية، عبارة "موتكم هنا"، ويرفعون علم الأهلى وعليه نجمة داود.

وبدأت المباراة فى جو مملوء بالتوتر، وازداد السباب والهتافات المعادية بين جمهور الفريقين، وتلاحظ أن عبارات السباب من جمهور النادى المصرى كانت غريبة عن مثيلاتها فى المباريات السابقة، إذ أن كلها كانت تحمل معنى التهديد بالقتل، كما لوحظ نزول بعض المتهمين من ألتراس المصرى لمضمار الملعب قفزا من أعلى أسوار المدرج، أو بكسر أبوابه بعضهم حامل لألعاب نارية وأسلحة بيضاء، والآخر يخلع ملابسه ومن بينهم المتهمين الثالث والرابع والسابع والتاسع والعاشر والحادى والثانى والثالث عشر، والثالث والرابع والثلاثين والثامن والثلاثين، والتاسع والخمسين، والذين توجهوا إلى المدرج الشرقى لمحاولة الاعتداء على المجنى عليهم.

وتمكن ضباط الأمن المركزى من القبض عليهم، وتدخل مدير الأمن بفعله الإيجابى، طالبا تركهم وإعادتهم مرة أخرى للمدرجات بدلا من ضبطهم، وهو الأمر الذى شجع هؤلاء وآخرين مجهولين على تكرار ذلك عدة مرات، وكأنهم فى بروفة تدريبية لهم، ولباقى المتهمين فى كيفية تنفيذ الهجوم على المجنى عليهم عقب انتهاء المباراة.

وواصلت المحكمة سرد أسبابها مشيرة إلى أنه بين شوطى المباراة، قال المتهم مدير الإدارة العامة للبحث الجنائى لمدير الأمن ما ورد إليه من معلومات خطيرة، مفادها اعتزام المتهمين من جمهور ألتراس المصرى النزول لأرض الملعب عقب انتهاء المباراة والهجوم على
المجنى عليهم، إلا أن الأخير لم يتخذ ثمة إجراءات، أو تدابير أمنية للعمل على منع هذا الاعتداء، وأثناء المباراة، وفى منتصف شوطها الثانى تقريبا رفعت لافتة فى المدرج الشرقى المخصص لجمهور ألتراس الأهلى، مدون عليها عبارة "بلد البالة ما جابتش رجالة" للتأثير على جمهور النادى المصرى، مما زادهم إصرارا على تنفيذ مخططهم الإجرامى، وقد شوهدت هذه اللافتة مع المتهم العاشر محمد محمود البغدادى، وشهرته "الماندو"، وهو يحملها ويصيح بعبارة اليافطة، وقبل نهاية المباراة بحوالى عشرة دقائق، قام المتهم المهندس المسئول عن الإذاعة الداخلية بالإستاد بقطع الإذاعة، وإذاعة بيان من ورقة محررة بخط يده، نصها كالآتى:

"إن مجلس إدارة النادى المصرى برئاسة الأستاذ كامل أبو على، يهيب بجماهير النادى المصرى التزام الهدوء، والتشجيع المثالى، للحفاظ على حياة الجماهير وظهورها بالمظهر المشرف، وكأن معلومة الهجوم على المجنى عليهم، قد انتقلت إلى مسامعهم، وما أن لفظت المباراة أنفاسها الأخيرة، وأطلق الحكم صافرة نهايتها، معلنا فوز النادى المصرى حتى انطلق المتهمون من جمهور ألتراس المصرى، من كل حدب وصوب لتنفيذ آخر حلقة من حلقات مخططهم الإجرامى، وقصدهم المصمم على الإطباق على المجنى عليهم، وقتلهم، فأسرعوا فى النزول من المدرجين الغربى والشرقى، إما بالقفز من أعلى الأسوار، أو بتحطيم أبوابها الداخلية فى اجتياح كاسح، وعارم ومهيب لأرض الملعب، حاملين معهم أدوات تنفيذ جريمتهم النكراء، متجهين بسرعة شديدة، وبأعداد غفيرة، وموجات متلاحقة صوب المجنى عليهم.

كما حمل بعضا من المتهمين المقاعد الموجودة بأرض الملعب لاستخدامها فى التعدى على المجنى عليهم، وبعد اجتياز الحاجز الأمنى المتهرئ والممزق أوصاله بأرض الملعب، وقبل صعودهم للمدرج الشرقى أمطروا المجنى عليهم بوابل من الحجارة والألعاب النارية، فبثوا فى نفوسهم الفزع والهلع من هذا الهجوم الغاشم الكاسح عليهم، ومعظمهم من الشباب صغار السن عزل، حضروا لمشاهدة مباراة كرة القدم لا لدخول معركة حربية، ومن شدة وهول المفاجأة أسرع المجنى عليهم بالهروب من اعتداء المتهمين إلى الممر المؤدى للسلم الذى ينتهى بباب الخروج، وكانوا كالمستجيرين بالرمضاء من النار، إذ فوجئوا بالمتهم محمد سعد الضابط المعين على خدمته، قد أحكم غلقه قبل نهاية المباراة بخمسة دقائق، وانصرف من مكان خدمته، وظلوا يندفعون الواحد تلو الآخر فى اتجاه باب المدرج حتى تكدس الممر الضيق بالمئات، وانحشروا جميعهم بين الباب المغلق والسلم وفتحة الممر المؤدية إلى المدرج، والمتهمين يوالون قذفهم بالحجارة والتعدى عليهم بالعصا والصواعق الكهربائية، وأسلحتهم البيضاء.

وبلغ فحش المتهمين الإجرامى بأن قاموا بإطلاق الألعاب النارية وبكثافة شديدة عليهم، حتى بدت فتحته وكأنها ينبعث منها حمم بركانية، مما أدى إلى سقوط المجنى عليهم صرعى وقتلى بالاختناق، نتيجة إعاقة حركة الصدر التنفسية، وبلغ العنف مداه بأن قام المتهم التاسع والأربعون حسن محمد المجدى، بالتعدى على المجنى عليهم داخل سلم الممر أحيائهم وأمواتهم فى أجسادهم بمطواة، قاصدا وباقى المتهمين قتلهم.

وأضافت الأسباب أنه من حاول من المجنى عليهم المحشورين داخل الممر، النجاة بنفسه أخذ جاهدا رفع جسده إلى أعلى لعله يجد نسمة هواء نقية يستنشقها تعيد إلى رئتيه نبض الحياة، فإذا به يجد نفسه يقف فوق جثث أصدقائه القتلى، وقد وصف ذلك المشهد المأساوى شاهد الإثبات الأول لدى سماع أقواله، ومن شدة التكدس والتدافع سقط الباب الحديدى أمامهم فسقطوا عليه فوق بعضهم قتلى ومصابين، ولم يؤثر هذا المشهد الرهيب فى نفوس وقلوب المتهمين، والتى أصبحت كالحجارة وبلغت الخسة والدناءة بهم بأن أمسك المتهم الأول السيد محمد رفعت الدنف، بقالب طوب وظل يهوى به على رأس ووجه أحد المجنى عليهم، وهو ملقى أرضا حتى نزف الدماء بغزارة، قاصدا وباقى المتهمين قتله، ولم يكفوا عن استمرار قذفهم للمجنى عليهم بالحجارة، إلا بعد تدخل القوات المسلحة، وانطلق المتهمون حاملين أسلحتهم البيضاء كالوحوش الضارية خلف المجنى عليهم، وتمكنوا من إجبارهم على نزع ملابسهم والاستيلاء على متعلقاتهم الشخصية، والاعتداء على المجنى عليهم بالعصا والشوم، والقطع الخشبية بلا شفقة فى مواضع قاتلة على رؤؤسهم حتى اختلطت دمائهم الذكية النقية بأرض المدرج الأسمنتية، ومن حاول من المجنى عليهم الفرار بالصعود إلى أعلى المدرج، فكان قتلهم أشد بشاعة وخسة إذ تعقبهم المتهمون، وأطبقوا عليهم والتفوا حولهم، بعد أن أدخلوهم فى شباكهم وظلوا يتوسلون إليهم بتركهم، وأخذوا يعتدون عليهم ويحملون بعضهم بعد تكتيفهم من أرجلهم وأيديهم ورفعهم إلى أعلى ملقين إياهم الواحد بعد الآخر من أعلى السور الذى يبلغ ارتفاعه 11 مترا، حتى أن المجنى عليه أحمد وجيه عبد الصادق حاول الخلاص بنفسه من بين أيديهم فأسرع المتهم السادس والخمسون، وشهرته عظيمه، أثناء وجود المتهمين 4 و7 و53 و59 61 على مسرح الجريمة بتكتيفه وخنقه بلف الكوفية التى كان المجنى عليه يرتديها حول رقبته، وتمكنوا من رفعه إلى أعلى وإلقائه من أعلى السور الحديدى، وتوالت المحكمة فى سرد وقائع أخرى.

وأشارت إلى أنها قد تزامنت مع قيام المتهم مهندس الإذاعة الداخلية بالإستاد (توفيق صبيحة) بالإسراع فى إطفاء أنوار الإستاد بالمخالفة للقواعد المتبعة فى ذلك، والتى توجب عدم إطفاء الأنوار إلا عقب التأكد من إخلاء الإستاد نهائيا من الجماهير، وقالت المحكمة إن عدالة السماء كانت للمتهمين بالمرصاد، موضحة أنه بجانب تعرف الشهود على المتهمين فإن الفنار الخاص بإرشاد السفن والرابض فى مياه البحر أمام الإستاد كانت تأتى أنواره مع الأنوار الخارجية المجاورة للإستاد، ليكشف وجوه المتهمين.

واستعرضت المحكمة الإصابات التى أودت بحياة المجنى عليهم، وإصابة البعض الآخر، ومنها الانسكابات الدموية الناشئة عن المصادمة بجسم صلب والزرقة فى الشفتين والأظافر، واحتقان العينين وغيرها من المظاهر الدالة على الوفاة بالاختناق من جراء اسفكسيا إعاقة حركات الصدر التنفسية، فضلا عن الإصابات الأخرى، وشهادة الشهود وما استدلت به المحكمة من أقوال المتهمين، مشيرة إلى أنها ألقت الضوء على باقى زملائهم ودورهم فى ارتكاب الاتهام فضلا عن معاينة النيابة لمسرح الجريمة ما وجد به من فوارغ أظرف طلقات وألعاب نارية سلاح أبيض صناعة جنوب أفريقيا، وبعض متعلقات المجنى عليهم المتناثرة، وأثار التحطيم فى المقاعد التى استخدمت فى الاعتداء على الضحايا، وتلف خمسة بوابات حديدية بمضمار الملعب، وانهيار البوابة الحديدية الخاصة بالمدرج الشرقى، وانبعاج بسقف الممر المؤدى لغرفة اللاعبين، وتلف منظومة الحريق وغيرها من الخسائر المادية التى بلغت قيمتها 89 ألفا و767 جنيها.

وأكدت المحكمة فى حيثياتها، أنه نظرا لما تقدم فهى تطمئن إلى إدانة المتهمين بجريمة القتل العمد، مؤكدة أنها لم تجد لهم وبحق سبيلا للرأفة لغدرهم بالمجنى عليهم دون مبرر، ولم يردهم أنهم عزل ولم يرحموا ضعفهم، وصغر أعمارهم، كما أن الأوراق لم تظهر بها شبهة دارئة للقصاص، لذلك كان جزاؤهم الإعدام قصاصا لقتل المجنى عليهم، ذلك فضلا عن توافر عناصر الجرائم الأخرى، وهى السرقة والبلطجة وحيازة مواد مما تعتبر فى حكم المفرقعات، وأسلحة بيضاء، وسبق الإصرار والترصد، والتى عاقبت المحكمة باقى المتهين عليها كلا حسب ما نسب إليه من اتهام، وبالنسبة لأسباب حكمها بإدانة مدير الأمن وآخرين قالت المحكمة إن الثابت بالأوراق، أن مدير الأمن السابق أصر على إقامة المباراة رغم علمه اليقينى بخطورة إقامتها، مما توافر لديه من معلومات أبلغ بها تؤكد عزم المتهمون على الاعتداء على المجنى عليهم.

وأضافت المحكمة أن المتهم أخذته العزة بالإثم دون مقتضى لا لشئ، إلا ليثبت لقياداته أنه محل ثقتهم، وكان نتيجة قراره الخاطئ ما حدث، كما أنه من الثابت بمطالعة أمر الخدمة الذى أصدره لتأمين المباراة، أنه لم ينفذ إلا على الورق فقط، إذ لو قام بتنفيذ ما جاء ببنوده كتفتيش الجماهير لما وقعت الكارثة، فضلا عن عدم تدخله بإصدار أوامر لمرؤسيه وقواته بالعمل على التصدى لما حدث من هجوم، أو التقليل منه بينما قام الضابط المكلف بالخدمة على باب الإستاد بغلقه وتركه مكان خدمته، محتفظا بمفتاح الباب معه، ولم يتركه لأحد الضباط، ورغم علمه بالأحداث لم يبادر بالإسراع بالعودة إلى مكان خدمته، بل اختبأ تحت أحد المظلات تاركا المجنى عليهم محشورين خلف الباب، بينما قام المتهم المسئول عن الكهرباء بإطفاء الإضاءة فى الإستاد، مخالفا بذلك تعليمات الإضاءة التى توجب عدم إطفاء الأنوار، إلا بعد التأكد من خلو الإستاد من الجماهير، ورغم مشاهدته للأحداث فعل ذلك.

وانتهت المحكمة إلى أن المتهمين الثلاثة ساهموا بأفعالهم فى ارتكاب الجريمة، وشرحت ما استندت إليه فى نصوص القانون المصرى والألمانى والإنجلوأمريكى، حيث التكييف القانونى لأفعال المتهمين.

وعن أسباب البراءة،
استعرضت المحكمة أسباب ما استندت إليه ببراءة 28 متهما، حيث أكدت أن تقدير الأدلة من شأن المحكمة مؤكدة على القاعدة القانونية، بأن الأحكام الجنائية ينبغى أن تبنى على الثبوت بأدلة قطعية، ولا على مجرد الاحتمال والظن.

وأضافت أنه من استقراء وقائع الدعوى، أن أدلة الثبوت التى ساقتها النيابة العامة بالنسبة للمتهمين من الأول حتى التاسع عشر، جاءت قاصرة لما شابها من شك وغموض، حيث خلت المشاهد المصورة لإحداث المباراة من ظهور أيا من هؤلاء المتهمين على مسرح الحادث، كما لم يوجد شاهد على المتهمين وبالنسبة للمتهمين من العشرين وحتى السادس والعشرين (ضباط شرطة)، فقد جاءت الأوراق خالية من دليل تطمئن المحكمة، لإدانتهم به.

وأشارت المحكمة إلى أن دليلها فى ذلك، أن هؤلاء المتهمين أبلغوا مدير الأمن بحالة الاحتقان الشديد والشحن المعنوى الزائد بين المتهمين والمجنى عليهم وما تم رصده على المواقع الإليكترونية من معلومات حول ذلك، إلا أن الأخير أصر على إقامة المباراة، أما بالنسبة للمتهمين الأخيرين "من بينهم قيادى بالنادى المصرى"، فخلت أوراق القضية من دليل إدانة لهما كما أن كلا منهما ليس له دور فى تأمين المباراة.

وأوضحت المحكمة فى أسبابها الرد على الدفوع المبداة من دفاع المتهمين، والذى جاء أبرزها الدفع بعدم دستورية المادة 375 مكرر من قانون العقوبات الذى ردت عليه المحكمة، قائلة إنها تلفت عنه موضحة أنه دفع غير جدى، ولم يقصد به سوى تعطيل الفصل فى الدعوى.

وأشارت إلى أنه بالنسبة للدفع المبدى ببطلان القبض والتفتيش لعدم وجود المتهمين فى حالة تلبس، فالمحكمة ترى أن ما أجراه مأمور الضبط القضائى من ضبط المتهمين والجريمة ما زالت مستعرة، وجثث المجنى عليهم متناثرة فى مسرح الحادث، وفى محيطه والتوقيت الذى أجرى فيه قد وقع صحيحا، وأما عن الدفع ببطلان إجراءات تفريغ محتوى كاميرات المراقبة الموجودة بغرفة التحكم، فمردود عليه أن الثابت بالأوراق أن المحكمة انتدبت لجنة فنية ثلاثية مختصة لإجراء مضاهاة فنية على الأسطوانات المدمجة المقدمة من النيابة العامة، وعما إذا كانت مأخوذة عن الهارد ديسك الموجود بغرفة التحكم، بإستاد بورسعيد، وانتقلت اللجنة إلى الإستاد، وانتدبت المحكمة عضو اليمين بها، لأداء هذه المهمة، وخلص تقرير اللجنة إلى أن جميع الأسطوانات المقدمة من النيابة مطابقة لما هو موجود بغرفة التحكم.







مشاركة




التعليقات 3

عدد الردود 0

بواسطة:

وائل

حرام

حسبى الله ونعم الوكيل, ربنا يصبر اهاليهم

عدد الردود 0

بواسطة:

ماندو البورسعيدي

ذي الفل

عدد الردود 0

بواسطة:

فاتن- بورسعيد

القصاص

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة