منذ مطلع القرنين الماضيين كانت إحدى أسس وقواعد نهج الأستعمار الأجنبى فى مختلف أنحاء العالم لاسيما العالم العربى "مبدأ فرق تسد" فعمل على التفرقة بين الأقطار المستعمرة والانفراد بكل دولة على حدة. كما عمل على بث روح العداوة والبغضاء بين الدول المتجاورة فعمل على خلق بعض المنازعات الحدودية فيما بينها حين قام بتقسيم وتجزئة الدول إلى دويلات صغيرة.
كما عمل فى الوقت ذاته على خلق بعض الصراعات الداخلية مثل إثارة الفتن الطائفية والعرقية فى المجتمع الواحد لزعزعة الأمن والاستقرار الداخليين. وبالتالى إضعاف روح القوى الوطنية المتجانسة. حتى يتمكن من السيطرة وإحكام قبضته على تلك الدول دون أن تستطيع المقاومة أو الأستعانة بالآخرين. فضلا عن ذلك كلة عمل أيضا على إيهام بعض الدول بوجود أطماع خارجية من قبل دول الجوار بغية نهب خيراتها وثرواتها. وبأن هناك نية أكيدة من هؤلاء فى المشاركة وتقسيم هذه الثروات وإعادة توزيعها مرة أخرى.
وربما تكون قد ساعت بعض الأحداث _ بتحريض من المستعمر على ترسيخ هذه المفاهيم وتلك المعتقدات، مثل احتلال بعض الدول لبعضها البعض، واعتداءاتها المتكررة على دول الجوار فتولدت لدى هذه الدول عقيدة الحرص والحذر الزائدتين والدائمتين خشية الانزلاق فى دائرة الصراع وبئر المطامع ودرأ منها لأية تدخلات أو ثمة تهديدات خارجية ونأيا بنفسها بعيدا عن الدلوف فى خلافات لا طائل منها سوى الهلاك والدمار.
وقد ظلت تلك المخاوف تطاردنا على مدار نصف قرن من الزمان أو يزيد رغم جلاء المستعمر. وعملت كل دولة على إقامة سور من الفولاز يحيط بها ولا تسمح للآخرين العبور من خلاله إلا بعد تفنيد وتمحيص للمقاصد والنوايا. فانعدمت الثقة المفترضة وحسن النية وحسن الجوار الواجبين بين الدول بعضها البعض مما حدا بكل دولة على حدة بأن تتحين إنتهاز أقرب وأسهل الفرص لتحقيق أمنها واستقرارها. وتحقيق أكبر قدر من المصالح.
وربما كانت هناك بعض التجارب الوحدوية بين الدول العربية لكنها باءت بالفشل الذريع _بتحريض من المستعمر _ولم يتبق منها سوى ما يسمى على استحياء (بمجلس التعاون الخليجى). مكتفين بلفظ التعاون دون الاتحاد لكنه وعلى أية حال خطوة على طريق التقدم تستحق الإشادة والثناء، رغم أنه يحارب من كل جهة خارجية بل وداخلية أحيانا، وكأن الاتحاد موجة ضد دولة بعينها وليس من أجل المصلحة العامة للدول الأعضاء.
فرغم توافر مقومات الوحدة بين الول والشعوب العربية، كوحدة الدين واللغة وتقارب العادات والتقاليد والثقافات المتجانسة. فضلا عن توافر بعض المقومات والعوامل الطبيعية والموقع الجغرافى والإستراتيجى المتميز، الذى جعل من موقع الوطن العربى همزة وصل وأداة ربط بين شعوب وقارات العالم والذى من شأنه أن يعمل على نجاح تلك الوحدة إلا أننا مازلنا قوما" متنافرين متناحرين. وأصبحنا قوما مستضعفين ومستهدفين. صيدا" سهلا وفريسة طرية أمام التحالفات والقوى الغربية والشرقية على حد سواء. نتيجة ما أصابنا من العزلة والانطواء.
ففى الوقت الذى نشاهد فية الأمم من حولنا أصبحت أكثر قوة وتماسك وأكثر تقدما ورخاء متحدة فيما بينها ومترابطة غايتها المصلحة ووسيلتها التعاون. ومثال ذلك الاتحاد الأوروبى الذى قام على أساس المصلحة فى المقام الأول ثم أساس جغرافى فى المقام الثانى دون روابط دينية أو عرقية أو لغوية، نجد أمتنا أمة هزيلة، ضعيفة وفقيرة رغم كل ما لديها من موارد وإمكانيات وروابط. وباتت أمة ذليلة فى ذيل الأمم.
يجب علينا أن ننسى مخاوفنا القديمة وأن تتوافر لدينا الثقة والقناعة وبعضا من الشجاعة والإقدام كى نتحد مع بعضنا البعض وأن نصبح قوة يخشى منها الجميع وحتى يكون لنا صوت مسموع ودور فعال ومؤثر فيما بيننا وفيمن حولنا من المجتمعات الأخرى. لأننا فى الأصل أصحاب حضارات متعددة ومتنوعة لنا ثقافتنا ولنا عقيدتنا ولدينا تاريخ عظيم حافل بالانتصارات والإنجازات، كما أننا نملك كل مقومات النجاح والرقى والإبداع فى شتى الميادين والمحافل. وقد شاهدنا بأم أعيننا الإنسان العربى والمسلم وقد نال أسمى وأنبل الجوائز والدرجات العلمية والأدبية، إن الدعوة للاتحاد أصبحت إحدى متطلبات الوقت الراهن فى ظل المتغيرات والتغيرات الجديدة، التى باتت تحيط بنا من جميع الجهات وعلى كل المستويات. إن وحدة الأقطار العربية أصبحت ضرورة لا مفر منها فهل من مجيب؟ !!!!
على حداد يونس يكتب: الوحدة العربية تحديات ومخاوف
السبت، 30 مارس 2013 03:27 م