طلال عبد المنعم واصل

رسائل إلى الرئيس محمد مرسى

السبت، 30 مارس 2013 06:51 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعد أن أصبح الدكتور محمد مرسى رئيساً لمصر عبر صندوق الانتخابات، ستتوجه الأنظار إليه داخليا وخارجيا لعدة أسباب، أبرزها أنه رئيس أكبر دولة فى المنطقة العربية، ولأن توجهات السياسة المصرية تلقى بظلالها على باقى دول المنطقة، ومن هنا فإننا إما سنجد رئيسا يدير السياسة المصرية بأسلوب الموظف «المدير» الذى يتعامل مع الأوضاع كأنها إدارة يومية، وقد عانينا من هذا الأسلوب فى عهد مبارك، وأدى إلى تأخر مصر لتصبح فى مرتبة دولية متدنية، أو سنجد «مصر الجديدة» التى تنهض كنتيجة طبيعية لثورة عظيمة أبهرت العالم الخارجى، ولن يأتى ذلك من فراغ، بل من قدرة على التغيير الجذرى، ووضع قواعد البناء السليمة للمستقبل القريب والبعيد فى مجالى العدالة الاجتماعية، والديمقراطية القائمة على احترام حقوق الإنسان، وذلك دون الانحياز لحزب معين أو عقيدة معينة.
ومع الوضع فى الاعتبار أن هناك مواصفات يجب أن تتوفر فى شخصية الرئيس، أولها قوة الشخصية ونزاهتها، فإن الرهان على نجاح الدكتور محمد مرسى سيأتى كنتيجة لمقدمات، تتمثل فى إيمانه الكامل بحتمية نجاح الثورة فى رسالتها بالتغيير الشامل لمصر، وأكبر الأخطاء فى ذلك أن تقتصر مهمة التغيير على فئة واحدة أو جيل بعينه، فالدول المتقدمة يقاس تقدمها على ما تفعله لصالح عموم شعوبها، والتخطيط لعدة أجيال قادمة.
عوامل نجاح التغيير الشامل الذى ينتظره المصريون من الرئيس الدكتور محمد مرسى تتمثل فى الآتى:
- اختياره الجيد لمعاونيه ومستشاريه ورئيس وأعضاء الحكومة، ومنحهم الفرصة لحرية الإبداع والابتكار فى التخطيط والتنفيذ لخطط التنمية، ومتابعتهم، مع الاحتفاظ بالقدرة على استبدالهم فور ظهور عدم كفاءتهم.
- الوعى السياسى والاقتصادى والاجتماعى لفهم آراء الوزراء المختصين، ومناقشتها مع القوى السياسية والخبراء فى المجالات المختلفة، وأن يكون لديه استعداد للتخلى عن رأيه الشخصى مقابل رأى الخبراء والمختصين.
- الإيمان بالمفهوم الشامل للأمن القومى لمصر كدولة كبرى ومحورية فى منطقة الشرق الأوسط، مما يتطلب وجود أجهزة المراقبة والمتابعة والقدرة على حماية الأمن الداخلى للبلاد، وضرورة المحافظة على استمرار تطوير القوات المسلحة، لتصل إلى أعلى مستوى لحماية مصالح مصر القومية وأمنها القومى، مع احترام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
- الإيمان بالتخطيط المستقبلى القصير والمتوسط والبعيد المدى هو الأسلوب الأمثل لرسم مستقبل البلاد، بما يتناسب مع إمكانيات التمويل، وتوفر الخبرات والعمالة المؤهلة.
- التواصل الجيد والود الذى يؤدى إلى تمكين جسور الحوار والثقة مع رؤساء الدول الشقيقة والصديقة.
- الإيمان بالديمقراطية الحقيقية التى تعتمد على وعى الشعب بحقوقه وواجباته، وحقه فى المشاركة فى صياغة القرار الوطنى، ومراقبة عمل أجهزة الدولة ابتداء من رئيس الجمهورية.
- الإيمان المطلق بحتمية نزاهة واستقلال القضاء عن السلطات الأخرى، ويراعى عدم تعرض هذا المبدأ لأى انتهاك، والإيمان بدور الإعلام الحر الأمين فى صياغة وعى الشعب بقضاياه، والحساب العادل على من يسىء بغير الحق للأفراد والمؤسسات.
ومن خلال العوامل السابقة قد يرى البعض أننى أتحدث عن ملامح مثالية لشخص الرئيس، وأتفهم هذا الشعور لأننا لم نتعود مع النظام السابق على أن تكون الكفاءة هى المعيار الأول فى اختيار واستمرار المسؤول، ومن هذه النقطة أقول إنه على الرئيس وضع معايير عالية لاختيار مساعديه وفريق عمله ومستشاريه، وعليه أن يعطى الصلاحيات الكاملة وحرية أخذ القرار بدون مركزية الشخص الواحد وهو الرئيس نفسه، فليس من المعقول أن فريق العمل لا تكون له صلاحيات أو قدرة على اتخاذ قرارات تنفيذية بدون الرجوع إلى الرئيس فى كل صغيرة وكبيرة، ولا بد من الاستفادة من الدروس القاسية التى نتجت عن النظام السابق، كالشللية، واستغلال السلطة باسم الرئيس أو المساعدين، والعجز عن اتخاذ القرار بدون توجيهات من الرئيس السابق.
عشنا سنوات مع مبارك دون أن يكون هناك نائب له، وآن الأوان أن يتم تصحيح هذا الوضع باختيار الرئيس مرسى نائبا له شرط أن يتمتع بكفاءة عالية لإدارة البلاد إذا احتاج الأمر، وعلى الرئيس إعطاء الصلاحيات لنائبه فى قطاعات يتفق عليها لمساعدته ومشاركته فى جميع المعلومات واتخاذ القرارات، وإذا احتاج الأمر يمكن للرئيس تعيين أكثر من نائب لقطاعات محددة مختلفة ولكن لا بد من ضمان عدم التضارب والمنافسة غير الشريفة، والأهم أن يقتنع الرئيس تماماً بأن نائبه لا ينافسه، ونجاحه هو نجاح الرئيس نفسه.
أما موقع رئيس الحكومة، والذى يجعلنى أتساءل: كيف كان يتم اختيار رئيس الوزراء فى يوم وليلة، أو تشكيل الوزارة بسرعة تؤدى إلى اختيارات خاطئة أثناء فترة مبارك؟، وأدعو الرئيس محمد مرسى إلى أن تكون لديه مجموعة غير قليلة من الأشخاص المرشحين المؤهلين للمنصب شاملة قدراتهم وإنجازاتهم وخبراتهم فى الإدارة، وأن يتم الاختيار بعد التحليل الكامل لقدراتهم، وبعد مناقشة تفصيلية مع كل مرشح عن برنامجه المحدد، وأخطر ما فى هذا الأمر أن يكون الاختيار مبنيا على الشلل والصداقة والولاء الشخصى، وينطبق هذا المبدأ على اختيار الوزراء، فلا بد من تطبيق نفس المبدأ، مع تعريف كامل لوظيفة وصلاحيات كل وزير، على أن يكون للعمل الوزارى كاملا آليات لضمان الشفافية والمتابعة والمحاسبة.
أنتقل إلى نقطة مهمة تتعلق بضرورة إنشاء مجلس للأمن القومى، ومن واقع خبرتى فيه ألفت النظر إلى أن الكثير عندما يتحدثون عن الأمن القومى يعتقدون أنه يشمل القوات المسلحة، والمخابرات، وأجهزة الأمن فقط، وهذا خطأ لا يتمشى مع ما يحدث فى العالم الآن، وطبقا لذلك فإن مكونات الأمن القومى الرئيسية تشمل:
- أمن حماية البلاد، ويتمثل فى دور القوات المسلحة للدفاع عن الوطن وحماية مصالح الوطن الإقليمية.
- الأمن الداخلى، ويتمثل فى دور أجهزة الأمن لحماية الشعب من الإرهاب والفساد والمخدرات والسلاح المهرب والبلطجة.
- الأمن القومى، ويتمثل فى دور أجهزة المخابرات العامة لحماية البلاد من الخارج، ومن التجسس والتسلل، وعن طريق المشاركة فى القضايا القومية.
- الأمن السياسى الخارجى، ويتمثل فى الدور الكبير الذى لابد أن تلعبه وزارة الخارجية فى وضع وتنفيذ ومتابعة سياسة الدولة الخارجية.
- الأمن الاقتصادى، لضمان استقرار الاقتصاد والنظام المالى وجميع الاحتياجات الرئيسية للمجتمع.
ومجلس الأمن القومى يشمل هذه العناصر الرئيسية للتنسيق الداخلى والخارجى، ومناقشة الخطة القومية والأمنية للبلاد، وتبادل المعلومات بين الأجهزة الرئيسية، وتعريف الرئيس ونائبه ما يحدث وما يمكن أن يحدث فى المستقبل داخل وخارج البلاد، ولا بد أن يجتمع هذا المجلس بانتظام لاتخاذ القرارات الصحيحة بناء على المشاركة الحقيقية فى المعلومات وتبادل الآراء البناءة.
وأتخيل أن من أحد أسباب فشل النظام السابق، هو عدم وجود مجلس فعال للأمن القومى، مما أدى لانفراد معظم الأجهزة، وضعف التنسيق، وعدم وجود سياسة داخلية أو خارجية واضحة ومحددة.
وطبقا لشواهد كثيرة يمكن القول إنه فى عهد مبارك وبالذات السنوات العشر الأخيرة، كانت الأجهزة المختلفة تقدم تقاريرها واقتراحاتها منفصلة إلى مكتب مبارك، ولا أحد يعلم مصيرها أو تأثيرها على القرارات.
إن الفوائد الرئيسية لوجود مجلس للأمن القومى هى:
- التنسيق الكامل لما يهم أمن الدولة عسكرياً، وأمنياً، وسياسياً، واقتصادياً.
- المشاركة فى أخذ القرارات بدلاً من القرارات العشوائية المنفردة بدون مراقبة أو متابعة أو علم.
- وضع ومتابعة خطة حكيمة للسياسة الخارجية فى المنطقة، ومع الدول ذات الأهمية والاهتمام بمصالح مصر المشتركة والإقليمية والعالمية.
- تبادل المعلومات ما بين الأجهزة المختلفة بطريقة منظمة وفعلية.
- التأكد من صحة التقارير والمعلومات، حيث إن أعضاء هذا المجلس أصبحت لهم آليات للمشاركة المفتوحة للمعلومات.
- وضع أولويات المشاكل القومية، وتحديد مسؤوليات الوزارات والهيئات المختصة التى تساعد فى تنفيذ قرارات مجلس الأمن القومى.
- محاربة الفساد والإرهاب بجميع أنواعه.
وإذا نظرنا إلى الولايات المتحدة الأمريكية كمثال، سنجد أن مجلس الأمن القومى الأمريكى يشمل الرئيس، ونائب الرئيس، ووزير الخارجية، ووزير الدفاع، ومستشار الرئيس للأمن القومى، ورئيس المخابرات المركزية، ويشاركهم رئيس هيئة أركان القوات المسلحة، ووزير أمن البلاد الداخلى، ورئيس منظمة مكافحة المخدرات والأسلحة النارية، وفى السنوات الأخيرة قد يشترك وزير المالية فى بعض الاجتماعات لأهمية استقرار الأسواق المالية والوضع الاقتصادى والديون المستحقة، وفى بعض الأحيان يشترك المحامى العام فى الاجتماعات لما يخص الحالات القضائية التى لها تأثير كبير على السياسة الخارجية أو الداخلية، وفى بعض الأحيان يشترك وزير الطاقة، حيث إن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر استقرار الطاقة والبترول والشبكة الكهربائية من أحد عناصر الأمن القومى المهمة.
ويجتمع هذا المجلس بانتظام لمناقشة ما يخص الأمن القومى الأمريكى، وبتنسيق كامل ما بين الجهات المختلفة لتبادل المعلومات، ومناقشة الآراء، حتى يتسنى للرئيس أخذ قرار نهائى مبنى على المعلومات الصحيحة، والدراسة الكاملة.
ويمكن الاستفادة من هذه الخبرة بوضعها أمام الرئيس محمد مرسى فى تكوين جهاز للأمن القومى مماثل لما هو موجود فى الدول المتقدمة، وعلى رأسها أمريكا.
يرتبط الحديث عن تشكيل مجلس للأمن القومى بالحديث عن السياسة الخارجية، وأهميتها فى الجمهورية الجديدة. وليس من قبيل التكرار التأكيد على أن مصر فى عهد مبارك شهدت أكبر تدهور فى السياسة الخارجية، والشاهد على ذلك «انكماش» مبارك فى شرم الشيخ فى سنواته الأخيرة، وكان يرفض كمثال زيارة أمريكا لفترة طويلة قاربت السنوات الخمس، تخوفاً من التعرض لأسئلة تتعلق بحقوق الإنسان والانفتاح الديمقراطى، ومع دخول مصر مرحلة جديدة فإنه لم تعد هناك مخاوف من مثل هذه القضايا، بما يعنى أن رئيس الدولة أصبح لديه القدرة على المواجهة والحوار مع قادة العالم وفقا لمتطلبات مصر، وتحتاج عملية تنشيط السياسة الخارجية إلى إجراءات ضرورية، فى مقدمتها تفعيل صلاحيات وزير الخارجية، وفريق عمله، والسفارات حول العالم، ومنحه الصلاحيات لأخذ القرارات دون الرجوع إلى الرئيس فى كل صغيرة وكبيرة، والطبيعى أن يأتى ذلك بعد تحديد مكونات سياسة مصر الخارجية بين رئيس الجمهورية، ونائبه، ومجلس الأمن القومى، ووزير الخارجية الذى عليه إعادة تقييم دور الوزارة والسفارات والقنصليات حول العالم، بما يتمشى مع التطور الكبير الذى حدث فى السنوات الماضية، فلم يعد دور السفراء وأعضاء السلك الدبلوماسى مقتصرا على خدمة الجالية المصرية، أو حلقة الاتصال بين الدول، ولكن لابد أن يلعبوا دوراً كبيراً بالاهتمام بالاقتصاد المصرى، والتسويق المتواصل لمصر لجذب استثمارات الأفراد والشركات والدول والتسويق السياحى الذى هو مستقبل مصر القريب، وتشجيع الشركات الأجنبية لاستخدام العمالة المصرية، وإنشاء أفرع فى مصر، وأن يشتركوا بقوة فى كل وسائل الإعلام واللوبى لصالح مصر والمنطقة، وأن يساعدوا على محاربة السلبيات التى تنتج عن الإعلام الخاطئ، وأن يشتركوا فى مناظرات ومؤتمرات تفيد مصر.
كل ذلك يتطلب إعطاء السفراء والقنصليات الصلاحيات الكافية، والقدرة على أخذ القرارات دون التخوف مما يقولونه أو يصرحون به، وهناك قضايا أخرى سنتعرض لها لاحقا تتعلق بالتخطيط ووسائل القضاء على الفساد.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة