"جبهة الإنقاذ".. وحيد عبد المجيد: الأزمة المصرية.. والمدخل لوقف التدهور

السبت، 30 مارس 2013 09:37 ص
"جبهة الإنقاذ".. وحيد عبد المجيد: الأزمة المصرية.. والمدخل لوقف التدهور د. وحيد عبد المجيد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تقف مصر الآن على عتبة التحول إلى دولة فاشلة بالمعايير العالمية. فالأزمة العامة تتفاقم فى ظل استهانة مستمرة بها من جانب السلطة التى يُفترض أن تتحمل المسؤولية عن معالجتها، ووصلت هذه الاستهانة إلى حد السخرية ممن ينبهون إلى أن مصر دخلت نفقا مظلما بسبب عملية سياسية مصممة لتمكين جماعة «الإخوان» من الهيمنة على أجهزة الدولة ومفاصلها بأى ثمن حتى إذا كانت النتيجة هى التحول إلى دولة فاشلة متسولة يسخر رئيسها من حديث الأزمة بدلاً من أن ينتبه إليه.

ففى ظل هذه العملية، التى تعيد إنتاج سلطة حسنى مبارك بطريقة أسوأ وفى ظل مقاومة سياسية ومجتمعية لن تتوقف، تتفاقم الأزمة الاقتصادية وأعراضها المالية والنقدية وتصل إلى حد العجز عن توفير سلع وخدمات أساسية وازدياد معاناة قطاعات واسعة من الشعب على نحو يؤدى إلى انتشار العنف المجتمعى فى كل أنحاء البلاد.

ولذلك، ورغم أننا إزاء سلطة تصم أذنيها وتغطى عينيها، وتتصرف باستهانة بالشعب ومعاناته وليس فقط بحجم الأزمة ومداها، ينبغى أن يتواصل الضغط الشعبى من أجل وقف التدهور.

فالخطوة الأولى باتجاه معالجة الأزمة والسعى للخروج من النفق المظلم هى وقف التدهور المتزايد عبر برنامج للإنقاذ نقدم هنا بعض ملامحه الأساسية التى طرحها كاتب السطور للنقاش فى داخل جبهة الإنقاذ الوطنى خلال الأيام الماضية.

ويبدأ هذا البرنامج بوقف العملية السياسية التى تقوم على هيمنة جماعة «الإخوان» ومحاولة تمكينها من مختلف أجهزة الدولة، والشروع فى عملية جديدة تقوم على الشراكة لا الهيمنة، سعيا إلى خلق بيئة سياسية جديدة تتحقق فيها الثقة المفقودة فى مختلف المجالات. فالثقة معدومة ليس فقط على المستوى السياسى، ولكن أيضاً كل صعيد. وهذا وضع بالغ الخطر لأن الثقة هى المحدد الرئيسى للأداء السياسى والوضع الاقتصادى والحالة الأمنية والتفاعلات المجتمعية.

ولا تتحقق الثقة فى حالة الأزمة الخانقة إلا فى ظل عملية سياسية قائمة على شراكة وطنية، ومحكومة بقواعد عادلة، وفى أجواء تسودها الشفافية، وفى ظل دولة قانون، ولا يمكن التطلع إلى عملية سياسية مختلفة تماماً على هذا النحو بدون حكومة كفاءات يتم التوافق على برنامجها والاتفاق على تشكيلها بين الأحزاب والقوى السياسية، وتصحيح العلاقة بين السلطتين التنفيذية والقضائية بدءاً بتعيين نائب عام على أساس دستورى صحيح عبر تنفيذ الحكم التاريخى الذى أصدرته محكمة استئناف القاهرة، وإصدار قانون للعدالة الانتقالية لمعالجة القضايا المعلقة التى تُعد أحد مصادر الاحتقان المتزايد، ووقف انتهاكات حقوق الإنسان.

ومن شأن الشروع فى عملية سياسية جديدة وفق هذه الأسس أن يغير الأجواء الكئيبة السائدة فى المجتمع الآن ويعيد الأمل الذى بددته سياسة السلطة القائمة، ويخلق حالة مجتمعية تساعد على بناء الثقة المفقودة على كل صعيد، فالثقة هى الشرط الذى لا بديل عنه للشروع فى تنشيط عملية الاستثمار الراكدة، ولكن هذا سيتحقق تدريجياً ولن تظهر أول آثاره قبل فترة تتجاوز بالتأكيد حدود المدى القصير. ولذلك يمكن أن تكون الخطوة الأولى فى هذا الاتجاه هى إعطاء دفعة قوية وواسعة النطاق للمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر لتكون قاطرة أولى لتنشيط الاستثمار، عن طريق استثمار طاقات الشباب المهدرة الآن والتى يمكن أن تصنع الكثير فى حالة بناء الثقة واستعادة الأمل.

فتنشيط الاقتصاد يبدأ بإطلاق ثورة فى المشاريع الصغيرة تعتمد على طاقات الشباب المهدرة الآن، ولذلك ينبغى أن تكون هذه الثورة محوراً رئيسياً فى خطة عمل الحكومة الجديدة التى تتوافق القوى السياسية عليها وأحد أهم معايير تشكيلها. وفى أجواء من الثقة والشراكة الوطنية والعمل الجاد، لن يكون هذا التوجه عبئاً على البنوك، ولكنه يتطلب تعديلاً فى اتجاه السياسة المصرفية الراهنة تتبناه الحكومة الجديدة.

ويجب أن يتزامن ذلك مع إعادة ترتيب الأولويات وتحقيق ثورة أخرى فى مجال خفض الإنفاق الحكومى، فأى سياسة تقشفية صحيحة تبدأ بخفض هذا الإنفاق الترفى أو غير الضرورى قبل كل شىء.

ومن عجب أن تتجاهل السياسة التقشفية الراهنة هذه القاعدة، وتتجه أولا إلى خفض الإنفاق الاجتماعى فى الوقت الذى يتواصل تقليص الإنفاق الاستثمارى العام.

وينبغى الشروع فى ذلك عبر إجراءات مثل:

أ - جدية تطبيق الحد الأقصى للدخول بما لا يتجاوز عشرين ألف جنيه وبدون أى استثناءات خلال فترة وقف التدهور، على أن يُعاد النظر فى هذا المبلغ بعد ذلك.

ب - إلغاء تخصيص السيارات لكبار المسؤولين الذين يُخصص لكثير منهم أكثر من سيارة، وبيعها كلها. فلدى هؤلاء سياراتهم الخاصة، وإذا كان بعضهم أمعن فى استغلال المال العام إلى حد أنه لم يجد حاجة لشراء سيارة يستخدمها فى غير أوقات العمل، يمكن أن يشترى السيارة المخصصة له بقيمتها السوقية. والعبرة هنا ليست بحصيلة بيع السيارات، ولكن أيضا بتوفير المبالغ الهائلة التى تنفق على الصيانة وقطع الغيار والوقود، وما ينطوى عليه هذا كله من أضرار فى ظل استحالة الرقابة على هذا الإنفاق وضبط ما تحتاجه كل سيارة من خدمات بدقة.

ج - إلغاء أى مكافآت أو بدلات عن حضور اجتماعات اللجان الرسمية التى يتم تشكيلها لأى غرض؛ وإلغاء المصاريف المخصصة لمكاتب الوزراء وكبار المسؤولين فهذا باب خلفى للتربح وإهدار المال العام.

د - تقليص الحراسة الخاصة لكبار المسؤولين، والتى حدث توسع فيها مرة أخرى بعد أن كانت قد قُلصت بعد الثورة. فيكفى حارس واحد لكل مسؤول أياً كان منصبه.

هـ - خفض ميزانية رئاسة الجمهورية المتضخمة دون داع، وإدراج تفاصيلها فى الموازنة العامة كما كان الحال بالنسبة لميزانية القصور الملكية التى كانت محددة هى ومخصصات الملك فى دستور 1923.

ويمكن فى هذا السياق إعادة النظر فى البرنامج العشوائى لخفض دعم السلع والخدمات الأساسية، وخصوصاً الوقود والخبز، فى ضوء الموارد التى سيوفرها خفض الإنفاق الحكومى، ومع مراعاة البُعد الاجتماعى الذى تستهين به السلطة القائمة كسابقتها رغم أنه يرتبط بأحد أهم أهداف ثورة 25 يناير وهو تحقيق العدالة الاجتماعية.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة