"الجبهة السلفية".. خالد سعيد: إذا تفرقت الغنم قادتها العنز الجرباء

السبت، 30 مارس 2013 09:39 ص
"الجبهة السلفية".. خالد سعيد: إذا تفرقت الغنم قادتها العنز الجرباء د. خالد سعيد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تعانى مصر من حالة انسداد سياسى حقيقى يؤذن بحالة من الاهتزاز الاقتصادى غير مسبوقة، ربما فى تاريخها كله، وشر ما يكون الانسداد إذا كان مصحوبا بالاستقطاب، بما قد ينشأ عنه من احتقان وشعور كل طرف من أطراف العملية السياسية والمجتمعية بتهديد ربما كان وجوديا من الأطراف الأخرى، وهو ما انعكس بالضرورة على تلكم الأدبيات العنيفة التى أنتجت بالضرورة تلكم الممارسات العنيفة أيضا.

وفى موقف العاجز تقف جماعة الإخوان المسلمين وحزبها السياسى الحرية والعدالة فى موقف ربما بدا للبعض حكيما، وربما بدا لآخرين عاجزا، ويشابهها بنسبة لا بأس بها سائر مجموعات الحراك السياسى الإسلامى، فيما ظهر كترجمة فورية لعقود الحصار والاعتساف والضرب بيد السلطات الحديدية عليها، مما أفقدها القدرة على استثمار طاقاتها الهائلة وكواردها الهادرة.

نعم وصلت القوى الإسلامية لمواقع متقدمة فى كل المناصب السياسية فى البلاد بفعل المد الشعبى الكاسح والقدرة على الاتصال بالجماهير واستثمار حبها للإسلام وبالتالى من يمثلونه، لكنها فى الحقيقة وصلت للفخ المنصوب لها، ربما عن دون قصد من أحد، لتقع فى هذا المحك التاريخى والاختبار الصعب فى موقع السلطة فى بلد يمر بمرحلة هى من أخطر مراحلها التاريخية فيما بعد ثورة شعبية هائلة.

وفى الحقيقة أننا قد نختلف فى أسباب الأزمات الحالية وكيفية الخروج منها، وقد يحمل كل منا الآخر النصيب الأكبر فى كل ما يجرى، بينما أرى أنه لا يتحمل كل ما يجرى فى الحقيقة إلا الرئيس محمد مرسى شخصيا، لا الجماعة ولا الحزب ولا قوى المعارضة، نعم سيحتج له الجميع، وأنا معهم أحيانا بصعوبة الموقف وخطورة المرحلة وتبعات الحقبة السابقة البائسة، لكن ألم يكن سيادة الرئيس ومن ورائه الحزب والجماعة يعلمون أنهم مقبلون على هذا الموقف وتلكم المرحلة وهذه التبعات؟

وفى ظنى أن مشكلة الرئيس ليست فى الحقيقة فى تبعيته للمرشد أو لنائبه كما تزعم القوى المعطلة أو المنافسة، سمها ما شئت، وإنما فى المنهج التصالحى الذى ورثه من جماعة الإخوان، والذى قد يبدو مترددا أحيانا، وقد لا يناسب تداعيات مراحل ما بعد الثورات.

فالمنطقة الزمنية التى تقع فى أعقاب أية ثورة تحتاج فى حقيقتها لخطوات تاريخية مفصلية، وربما انقلابية واستئصالية لإقامة الأمور فى نصابها، ولابد لأى حاكم يقوم بها أن يأخذ صك السند الشعبى، ولذا فلابد أن نرنو بعين الاعتبار إلى المراحل السابقة فى تاريخ أمتنا على الأقل، فالرئيس عبدالناصر استطاع أن يكسب ود الجماهير فى فترة هى من أصعب الفترات فى تاريخ البلاد؛ فالرجل قد قام بعمليات التأميم الاستئصالية على الصعيد الاقتصادى بعدما قام بها على المستوى السياسى للنظام السابق عليه، ثم وزعها عموم الشعب من الفلاحين، فيما عرف بأراضى الإصلاح الزراعى، ورغم أنها كانت مسددة الأجر على مر أكثر من ستين عاما، ورغم صدور حكم من القضاء الإدارى بعدم شرعية المصادرة، فإن الرجل كان قد حقق الرقم الصعب، إذ اكتسب حب الجماهير وتأييدها، وفى الحقية أنه من الظلم والتعسف أن ننسى هذه الحقيقة ونزعم أنه ما نال ما ناله إلا بالخطاب الديماجوجى والخطب العصماء، والمهم فى الأمر أنه مضى قدما بهذا الصك الشعبى، فأمم القضاء أيضا فيما عرف بمذبحة القضاء وأمم الأحزاب وقضى على خصومه ومعارضيه بمنتهى العنف فقط، بموجب الشيك الشعبى الموقع على بياض.

وفى ظنى أن الرئيس مرسى يحتاج الآن لهذه الروشتة العاجلة.

وفى تقديرى أنه لابد أن يصل إلى عموم المطحونين والمهمشين والضعفاء والكادحين شىء من النظام الجديد ما بعد الثورة بحيث تكون هذه الجماهير هى السند الشعبى للنظام الجديد، وبالتالى تمكنه من القيام بالإصلاحات الجذرية اللازمة دون أن يخشى أحدا، لا الثورة المضادة ولا القوى المناهضة ولا بعض الأجهزة والمؤسسات التى قد تصبح انقلابية فى ظروف ما ومعطيات ما.

وبعيدا عن قروض صندوق النقد الدولى وإملاءاته البائسة وأوهاقه الثقيلة على أجيالنا القادمة، فالدولة قد حصلت على بعض المساعدات كما توفرت لها بعض أموال المصالحات من أموال رموز النظام السابق المنهوبة من الشعب، وكذلك من أموال الضرائب المسروقة أو من المصادرات القانونية لأملاك بعض رجال الأعمال، وفى ظنى أن المطلوب الآن ليس بناء منظومة تنموية لن يسمح لك أحد فى ظل أجواء الاضطراب أن تقوم بها، هذا فى حال توافر الرؤية اللازمة لها أصلا، وإنما بضخها فى الجهاز الإدارى والتنفيذى للدولة بمعنى ضخ هذه الأموال وربما غيرها مما قد يمكن توفيره من بعض الدول الصديقة فى وزراة الزراعة مثلا لتخفيض أسعار التقاوى والأسمدة ورفع بعض المديونيات عن الفلاحين، ولابد من ضخها كذلك فى وزارة التموين لتخفيض أسعار السلع الأساسية وأخيرا رفع مستوى الرواتب دون زيادة فى الأسعار.

ولابد للرئيس من دائرتين من المستشارين المحايدين الملزمة مشورتهم فى هذه المرحلة، بحيث يغلب عليهم الطابع الاقتصادى، أما الدائرة الأولى فهى مسشاروه الشخصيون، وأما الثانية فهى اللجان الاستشارية المتخصصة فى جميع المجالات، كما لابد أن يحذر من تسريبات بعض الأجهزة التى قد لا تكون خالصة لوجه الله، بل ربما تكون وصفة لتوريطه فيما لا يريد، كمعلومات إدانة الدكتور خالد علم الدين الذى أقيل فى توقيت خطير وغريب مهما كانت الأدلة المتوافرة ضده والتى لا يستطيع الرئيس إظهارها وإنما التلويح بها كما فعل فى اتهاماته لبعض رموز المعارضة، وأخيرا اتهامه للمخابرات على لسان المهندس أبوالعلا ماضى، وبالتالى يبقى الرئيس ملزما وبصك السند الشعبى بالضرب بيد من حديد على المفسدين الذين تتوافر بحقهم الأدلة القانونية، أيا كانوا.

إن سفينة مصر العظيمة الماخرة تمر اليوم بعاصفة عاتية وخطيرة، وفى ظنى أن الرئيس محمد مرسى على الصعيد الشخصى هو رجل فاضل وصالح وسوى، ولكن هذه المقومات ليست هى فقط ما يدير دفة بلد عظيم كمصر بالضرورة، وإنما تحتاج إلى معطيات إضافية، وفى ظنى أيضا أن السفينة ستصل إلى بر الأمان ولن يكون هذا إلا بشراكة سياسية حقيقية توزع المسؤولية على الجميع دون استثناء.

ولا يمكننا أن ننسى أن المتربصين بهذه السفينة كثر، وفى حال غفلتنا عن هذه الثغرات والتخللات فى بنيانها فقد نتعرض لخطر فادح وداهم؛ فإن تفرقت الغنم قادتها العنز الجرباء.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة