«إحنا سيبونا نموت باللحمة، وانتوا تعيشوا وتاكلوا الفول».. هكذا سخر الشاعر أحمد فؤاد نجم من زيادة الأسعار فى السبعينيات، والتى أعقبتها مظاهرات حاشدة خرج فيها المصريون إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم الواسع من ارتفاع سعر كيلو اللحمة من 68 قرشا إلى جنيه.
تمر السنوات، وتتغير المشاهد بشكل كبير، ويخرج المصريون من جديد فى مظاهرات حاشدة، كان الغلاء واحدا من أسبابها الرئيسية، رافعين على رأس مطالبها «العيش» و«العدالة الاجتماعية» التى غابت فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك، إلا أنه وبالرغم من مرور قرابة 3 أعوام على الثورة، و36 عاما على مظاهرات 77، لم يتغير الحال كثيرا، فالأسعار تواصل ارتفاعها بشكل جنونى، والرواتب ضئيلة لا تكفى الحد الأدنى من مطالب الحياة اليومية، فيما تبدو أيدى الدولة مرفوعة بشكل كامل عن القيام بدورها فى التحكم بالأسعار، ووسط هذا كله يظل المواطن «الغلبان» وحده وسط عاصفة الأسعار التى تقتلع فى طريقها الملايين من البسطاء.
الرقابة على الأسعار حلقة غائبة منذ بدأت سنوات الانفتاح الاقتصادى، وفتح الأسواق، وظل هذا الأمر ثابتا طوال عهود السادات ومبارك ومرسى، فالجميع رفعوا شعار حرية السوق، ورفض فرض أى قيود عليها دون أن يفكروا فى وضع أى نوع من التشريعات لضمان عدالة المنافسة، ومنع الاحتكار، وعدم تفعيل تشريعات قانونية موجودة بالفعل، مثل المادة 10 من قانون حماية المنافسة الخاصة بتحديد أسعار المنتجات الاستراتيجية، ليبقى ارتفاع الأسعار همًا دائمًا تتواصل حلقاته دون انقطاع فى ظل سوق تسمح للتاجر وحده بأن يتحكم فى تحديد سعر سلعته.
أزمة ارتفاع الأسعار فى فترة ما بعد الثورة، وخصوصا فى الأشهر الأخيرة، ساهم فيها العديد من العوامل، مثل ارتفاع سعر الدولار مقابل انخفاض سعر الجنيه المصرى، والتضخم، وأزمات السولار، وارتفاع أسعار الخدمات الرئيسية من كهرباء ومياه وغاز، لكن خبراء الاقتصاد يرجعون الأمر فى الوقت نفسه إلى الفوضى الواسعة التى تعصف بالسوق، مشددين على أن البائعين يبالغون فى تحديد هامش الربح الخاص بهم ليفوق بشكل كبير التكلفة الفعلية للمنتج، مطالبين فى الوقت نفسه بضرورة وضع ضوابط من قبل الدولة لمواجهة الارتفاع الجنونى فى الأسعار.
وشدد محمود العسقلانى، رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء، على أن الدولة تستطيع أن تتحكم فى الأسعار دون الإخلال بنظام السوق الحرة عن طريق الدخول كشريك فى الإنتاج، وبالتالى يضطر أصحاب المصانع إلى الالتزام بأقرب سعر إلى السعر الذى تحدده الدولة، لافتا إلى أن هذا الأمر يزيد المنافسة، ويحافظ على حقوق المستهلك من جانب آخر.
ووصف حكومة قنديل بأنها تحولت لما يشبه «خيال مآتة»، حيث تسير على نفس خطى حكومات مبارك التى كانت تعمل لصالح رجال الأعمال، قائلاً: نحن مقبلون على زيادات كبيرة فى الأسعار خلال الفترة المقبلة، خاصة مع تفعيل مشروع الصكوك، لافتا إلى أن المالك الخاص يهدف بالدرجة الأولى إلى الربح، وإذا وجد السوق أمامه مفتوحة سيزيد من السعر.
ولفت إلى أن الدولة تستطيع استخدام جمعيات حماية المستهلك، أو الجمعيات التعاونية الاستهلاكية التى يصل عددها إلى 3 آلاف، وبدء العمل من خلالها كمنافذ لتوزيع منتجاتها بأسعار منخفضة، خصوصا أن فروعها يمكن أن تغطى جميع محافظات الجمهورية، واصفا جهازى حماية المستهلك، والمنافسة بـ«الديناصور منزوع المخالب»، بسبب العوار فى قانونيهما، مرجعا الأمر إلى إنشائهما فى عهد حكومات رجال الأعمال، والتى لم تكن تستهدف مصلحة المستهلك، إنما كان الجهازان مجرد غطاء قانونى لمزيد من الاحتكار.
المعلومات تؤكد أنه على الرغم من أن إصدار قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية رقم 3 لسنة 2005، وقانون جهاز حماية المستهلك رقم 67 لسنة 2006 كانا لتقنين أوضاع المنافسة داخل السوق بالأساس، فإن مواد القانونين لا تحقق ذلك، فجهاز حماية المنافسة وفقا لمادته 10 يجيز لمجلس الوزراء تحديد سعر بيع منتج أساسى أو أكثر لفترة زمنية محددة، وذلك بعد أخذ رأى الجهاز، وهو الأمر الذى لا يملكه جهاز حماية المستهلك الذى يقتصر دوره على مراقبة جودة المنتج، ورغم ذلك فهذه المادة غير مفعلة، ولم يتم اللجوء إليها فى السنوات الماضية.
دكتورة عبلة سلطان، رئيس جمعية حماية المستهلك بالمعادى، عضو جهاز حماية المستهلك، أوضحت أن دور جمعيات حماية المستهلك يقتصر على المراقبة والتوعية، بحيث تقوم الجمعيات بمتابعة المنتجات فى الأسواق، ومعرفة التزام الشركات والمصانع بالجودة المطلوبة، والالتزام بشروط توضيح مكوناته للمستهلك.
سلوى شكرى، رئيس مجلس إدارة جمعية مصر الجديدة لحماية المستهلك، عضو جهاز حماية المستهلك، أشارت إلى أن الجمعيات طالبت مرارا وتكرارا بنقل المادة 10، الخاصة بتحديد الأسعار، إلى جهاز حماية المستهلك، لأنه الأجدر بتنفيذها. وأضافت أنه لا توجد حتى الآن أى استجابة لمطالب تقوية دور الجهاز، مشيرة إلى أن مركز المعلومات التابع لرئاسة الوزراء يقوم برصد الزيادة الكبيرة فى الأسعار، لكنه لا يستطيع التدخل أيضا، لأن القوانين الموجودة تدعم السوق الحرة دون أن تضع آليات لتنفيذها.
واعتبرت «شكرى» أن فتح منافذ جديدة أمام المستهلك تبيع بأسعار أقل، سيجبر المنتجين على خفض أسعارهم للتماشى مع السوق.
هل يتسبب الارتفاع الجنونى للأسعار فى اندلاع ثورة الجياع؟.. زيادة كبيرة فى أسعار أغلب السلع الأساسية.. والحكومة تكتفى بالصمت.. وخبراء يطالبون بتفعيل المادة 0 1 من قانون حماية المنافسة لإنهاء الأزمة
الجمعة، 29 مارس 2013 11:35 ص