عن أية ثورة يتحدثون؟

يتعجب المرء كثيرًا حين يطالع الدعوات التى طالبت بالتظاهر اليوم الجمعة 29/3/2013 لاستكمال أهداف الثورة، لأنها دعوات خادعة تشى بأننا قمنا بإنجاز بعض هذه الأهداف، ولم يبق لنا سوى عدة أهداف ثورية محدودة فى حاجة إلى تحقيق. وهذا أمر مغلوط تمامًا، فالثورة قد تم وأدها منذ تركنا ميدان التحرير ليلة طرد مبارك فى 11/2/2011 وعدنا إلى بيوتنا فرحين مكللين بالحبور لأن من طالبناه بالرحيل رضخ وانصاع.. ورحل غير مأسوف على حكمه!

أعرف أن هذا الكلام محزن وموجع، وقد يصيب بعضنا بالإحباط، لكن علينا أن نواجه الحقيقة بروح علمية محايدة مهما كانت قسوتها ومرارتها، حتى يتسنى لنا الاستفادة من أخطائنا من أجل العمل بدأب على نجاح الثورة المقبلة.

كل الدلائل الآن تشير إلى أننا أخفقنا فى استثمار الزحف الثورى الذى استمر 18 يوما توجت بإزاحة ديكتاتور غليظ، لكن نظرًا لجهلنا، وأعتذر عن التعبير، بعلم الثورات وتاريخها وكيفية تغيير المجتمعات إلى الأفضل، لم نحافظ على الوهج الثورى وتركنا المجلس العسكرى يتولى إطفاءه تدريجيًا، حتى سقطت تفاحة السلطة فى النهاية فى فم الإخوان المسلمين وفق صفقة مشبوهة بين المجلس العسكرى (ممثل نظام مبارك) وبين الجماعة برعاية أمريكية صريحة!

لا تقل لى من فضلك.. إن الانتخابات هى التى جاءت بالدكتور مرسى إلى قصر الرئاسة، فالأمر أعقد من ذلك بكثير، وراجع كيف أصر المجلس العسكرى على إجراء انتخابات مجلس الشعب قبل الدستور وما تلا ذلك من جرائم فى حق الثوار الشرفاء فى البالون ومحمد محمود (واحد واثنين) وماسبيرو ومجلس الوزراء وبور سعيد إلى آخر المآسى التى حدثت على يد المجلس العسكرى ثم مرسى!

سأزيدك من الشعر بيتًا لتدرك أن ثورتنا قد تم قتلها بقسوة، فبعد مرور أكثر من سنتين على إبعاد مبارك وحاشيته، وبعد تسعة أشهر على دخول مرسى وجماعته قصر الرئاسة، لم تتحسن أحوال الملايين من فقراء مصر، بل زادت سوءًا. والمعروف أن الثورات على مر التاريخ تستهدف أولاً إنصاف الفقراء، ومنحهم قدرًا لا بأس به من حقوقهم المهضومة التى كان يسلبها النظام القديم وطبقته. وهو ما لم يحدث عندنا حتى الآن، ولن يحدث مطلقاً فى ظل حكم جماعة الإخوان التى تسير على خطى نظام مبارك بالحرف والنقطة، من حيث انحيازها لطبقة رجال الأعمال (تذكر من فضلك أن معظم قادة الجماعة رجال أعمال)، ولهاثها خلف صندوق النقد الدولى للاقتراض، الأمر الذى يؤكد أن الفقراء والبسطاء من عمال وفلاحين وموظفين صغار وعاطلين ستتدهور أحوالهم المعيشية أكثر وأكثر، وبصورة لافتة (عندك الآن فى حكم مرسى وجماعته أزمات السولار/ الخبز/ المرور/ أنبوبة البوتاجاز/ غلاء الأسعار).

أما إذا تحدثنا عن الديمقراطية التى حلمنا بها، فيبدو أننا لم ننجح فى الفوز بها، وتابع قرارات مرسى منذ الإعلان الدستورى الإلهى الذى أصدره فى 21 نوفمبر فأشعل الغضب فى نفوس الغالبية العظمى من المصريين، وحتى قضية النائب العام المستشار طلعت عبد الله الذى حكمت المحكمة مؤخرًا ببطلان قرار الرئيس بتعيينه. ولا تنس حكاية أمر الضبط والإحضار التى طالت نشطاء سياسيين شرفاء مثل علاء عبد الفتاح وأحمد دومة ونوارة نجم وغيرهم!

هذا فضلاً عن الرائحة المشبوهة التى تحوم فى الأفق والتى تنذر بأن الرئيس وجماعته ينوون الانقضاض على وسائل الإعلام التى تنتقدهم بحدة، وتذكر حصار مدينة الإنتاج الإعلامى مؤخرًا بعد أن كانوا قد حاصروها هى والمحكمة الدستورية فيما سبق!

لا مفر من الاعتراف بأن ثورتنا أصبحت فى خبر كان، وأن علينا من الآن الاستعداد جيدًا لما هو قادم، مع الأخذ فى الاعتبار بضرورة الاستفادة من أخطائنا التى حرمتنا من تذوق ثمار الثورة، وهو أمر ليس بمستغرب، ولنا فى التاريخ أسوة حسنة فقد قمنا بثورة 1919 ولم تحقق أهم أهدافها، حيث ظل الإنجليز والملك وحلفاؤهما من باشاوات زمان يتمتعون بالسلطة والمال، بينما ملايين المصريين يكابدون الفقر والجهل والمرض. كذلك قام الخمينى ورجاله فى إيران بالسطو على السلطة وقتل وإبعاد كل شركائهم فى الثورة التى اندلعت ضد شاه إيران عام 1979. وقد أخفقت أيضاً ثورة 1905 فى روسيا واستعاد القيصر وجماعته السلطة من يد الثوار، وفى الصين أخفقت ثورة الفلاحين والعمال والفقراء عام 1925 ضد حكم الإمبراطور وطبقته الثرية التى أفقرت الملايين. ومع ذلك استطاعت هذه الشعوب أن تتعلم من أخطائها وتنظم نفسها فى أحزاب ثورية استوعبت أخطاء الماضى وأشعلت ثورات أخرى ناجحة، باستثناء الشعب الإيرانى الذى ما زال يرضخ تحت حكم الملالى!

أيها الثوار الشرفاء.. لا تيأسوا ولا تحبطوا، ولكن انتبهوا فالقمع قادم (ما حدث فى ميدان التحرير أمس مجرد بداية)، والفقر مقبل بكثافة، والحريات مهددة بقوة، فماذا أنتم فاعلون؟