تعددت إفرازات القبح التى لوث بها النظام السابق وجه الوطن، وكل إناء ينضح بما فيه، وكانت "المصلحة" وحدها أساس تصور العصابة لتطوير البلد، وفرض تصوره للتطوير المتوهم، ومضى لا يعوقه شكل مجتمعى، أو رقى فى المظهر، أو دواع لأمن للمواطنين، لم يكن يوما هاجسا حاضرا، عندهم أمن الوطن هو أمن النظام.
أضرب مثلا بما تراه حولك فى كل مكان يمضى بلا حساب، ولا رقابة، "التوك توك"، وكيف صار هذا النتوء الصغير المتكاثر ملخصا للوطن وحالته.
سائق بلا خط سير ولا خبرة ولا مؤهلات ينزل عن قيادة العجلة ليقود مركبة جديدة، لا رابط بينهما إلا الـ" تلات عجلات"، حتى المسمى يقترب-كما ترى- من الـ" تلات ورقات".
بجواره يجلس – فى أحيان كثيرة- صديق له، لا دور له فى عملية القيادة، ولكنه الأنس بالأصدقاء، وكثيرا ما يتنازل له عن القيادة، أهل الثقة الذين يؤتمنون على الروح دون العقل، على الكلام والدرددشة والترديد دون التطوير.
يتحجج أمام الركاب دوما بالظروف الخارجية دون تطوير داخلى، ويدعى دوما أنه "مستغنى" عن أم الشغلانة دى، ولا بيأخذ منها حاجة.
يلمح إلى عيوب الآخرين، الأكثر خبرة واستمرارا من سائقى التاكسى والميكروباص، ناسيا أن التلميذ الذى لا قيمة له إن لم يستفد من عامل الزمن، فيتجاوز السابقين، ويتعلل دوما بسابقيه: "هو أنتو كنتم تقدروا تعملوا كده مع التاكسى ولا الميكروباص"،
ولو أخطأ أحدهم فى القيادة، وعاتبته، وهو ما يحدث كثيرا وتجدهم يتكاثرون حولك كالقطيع المتآلف، يرددون بحماس كبير ألفاظا محفوظة، يرددون دون تفكير كالجوقة، ينصرون أخاهم ظالما قبل أن يكون مظلوما، يصنعون زحمة شديدة دون جدوى كبيرة قد يغنى عنها أتوبيس واحد ذى إمكانيات.
إنهم لا يعرفون الخطأ أصلا، ناهيك عن فضيلة الاعتراف به، سائق التوك توك لا يخطئ، وفى البداية ربما كنت تفسره بوصفه سلوكا للأقلية التى تجيد تقمص دور الضحية دوما، ثم لما صاروا كغثاء السيل غرتهم كثرتهم وظنوا أنهم هم الغالبون.
إن أخطا أحدهم يقولون شابا صغيرا لا يمثل إلا نفسه، وإن أصاب يؤكدون:" هذا طبيعى، فكلنا هذا الرجل".
يصرخون كـ"عوكل" فى الفيلم الشهير: "إدونا فرصة بقى"، فإن نالها وجدته يعبث بأبجديات المنطق ويأخذ من كل رجل قبيلة.
تركب مع أحدهم مغامرا بالخطأ المؤكد المتوقع، فتسمع الأغانى والموضوعات ذاتها، إيقاع واحد منتظم، وبصوت عال، وهو دليل-كما تعلم- على ضعف موقفه، ومن الغريب أن يكرر الكثيرون عملية المغامرة بالركوب، مع توقع ظواهر ونتائج أخرى.
ويبقى لإنتاج النظام الفاسد آثاره وأياديه السوداء، التى لا زالت تلعب بالوطن فى الخفاء والعلن.