من مشهد رأسى نظر إلى ميدان التحرير أثناء ثورة يناير فأدرك أنه لابد وأن يمزق دفاتره القديمة كلها وأن يكتب لمصر منذ ذاك اليوم شعرًا مثلها, وعندما تعثرت الثورة وصف إحساسنا وشعورنا السخيف: "إنك تحس بأن وطنك شىء ضعيف.. صوتك ضعيف.. رأيك ضعيف.. إنك تبيع قلبك وجسمك وقلمك واسمك مايجيبوش حق الرغيف".
كتب عن صاحب البيت: "اللى عايش بدون لازمة ولما اشتكى أدووله بالجزمة, اللى زرع الأرض دهب ونصيبه منها سباخ ولما صبره نفد قالها كفاياكى دلعك باخ".
قدم نصائحه للحاكم فى قصيدة جحا: "الدود قاعد لك ياجحا ولابد فى طينك, بعد مايمص دمانا مش حيحلاله إلا طينك, إحنا أهلك رجالتك.. عمادك إحنا وقت الشدة سندك إحنا زادك".
وصف حب الوطن وقال "الحب حالة.. مش شعر وقوالة, يعنى براح فى قلب العاشقين للمعشوقين, يعنى الغلابة يناموا فى الليل دفيانين.. الحب يعنى جواب لكل المسجونين هما ليه بقوا مسجونين.. الحب حالة مش شعر وقوالة, حاجة ماتتوجدش فى وسط ناس بتجيب غداها من صناديق الزبالة".
اعترف الشاعر الصعيدى فى قصائده بالحب ووصف إحساس الغيرة قائلاً: "أيوه بغير.. غيرة الراجل نار فى مراجل بتنور ومابتحرقش, وإحنا صعايدة بنستحملش واللى تخلى صعيدى يحبها ياغلبها, أصلنا ناس على قد الطيبة كلنا هيبة, والنسوان فى بلادنا جواهر طب لوعندك حتة ماس, حتخليها مداس للناس؟".
وهكذا وصف الشاعر الشاب هشام الجخ كل المشاعر الإنسانية والوطنية فى عشرات القصائد العامية والفصحى بأسلوب ساحر قوى لا يملكه إلا من يعرف أسرار اللغة العربية ويمتلك مفاتيح سحرها حتى استحق عن جدارة لقب هويس الشعر العربى.
"كايرو دار" أجرت حوارًا مع هويس الشعر العربى ومعشوق الشباب الشاعر هشام الجخ, اقتربنا خلاله من حياته الشخصية وأسراره ونشأته وذكرياته, وفجر خلاله عددًا من المفاجآت عن والدته "أبلة الناظرة" ودورها فى حياته ولماذا تنقل كثيرًا بين المدراس, وكيف كان مجبرًا على التفوق, ولماذا كانت ترسل له الإدارة التعليمية مراقبين من خارج القطاع أثناء الامتحانات ولماذا كان زملاؤه يحقدون عليه وأسرار أخرى خلال الحوار التالى:
• حدثنا عن نشأتك وفترة طفولتك وأهم ذكرياتك فيها؟
- ليس فى الطفولة شىء متميز.. فقد كنت طفلاً عاديًا أسكن فى مدينة ناصر بمحافظة سوهاج, والدى ووالدتى موظفان بالتربية والتعليم.. لم أكن ثريًا ولم أكن فقيرًا ولم أكن متميزًا بين أصدقائى فى الصغر؛ لأننا كنا جميعًا على نفس المستوى الاجتماعى والفكر والميل نحو نفس الرياضات، وكنا نحفظ القرآن الكريم فى نفس الدار.. وإذا اشترى أحدنا دراجة وجدتِ مدينة ناصر بالكامل قد اشترت دراجات وإذا اشترى أحدنا (بندقية رش) وجدت المنطقة بالكامل اشترت (بندقيات رش)، وهكذا, وبالتالى لم يكن هناك ما يمكن أن يدعيه أى طفل من (شلة مدينة ناصر) ويقول إنه كان متميزًا, أما عن نشأتى فأنا من عائلة الجخ بطن من عائلة (أبو جاموس) وهى من (هوارة قنا) وانتشروا فى معظم محافظات الصعيد.. من مواليد سوهاج وعائلة والدتى من سوهاج, ووالدى من (هوارة قنا) بمركز أبو تشت, لى سبعة عشرة أخًا من ثلاث أمهات, وأنا ابن والدتى الوحيد.
• وماذا عن ذكرياتك الأولى فى المدرسة؟
- فى المرحلة الابتدائية تنقلت كثيرًا بين المدارس نظرًا لظروف عمل أمى – رحمها الله – والتى كانت تشغل منصب ناظرة المدرسة فكنت أنتقل معها من مدرسة إلى أخرى, أذكر أننى درست فى مدارس (طه حسين الابتدائية – مدرسة عرب الأطاولة الابتدائية – مدرسة العزبة والعرب الابتدائية – مدرسة روافع القصير الابتدائية) وكلها مدارس حكومية كانت أمى تشغل منصب الناظرة فيها, ولا أخفى عليك أن ذكرياتى بها كانت ذكريات طفولية ترتبط بابن المدينة حين يختلط فجأة بمجتمع الريف القروى, وككل الأطفال ذكرياتى الأولى مختلطة بها ذكريات جميلة وبها أيضًا بعض الذكريات المؤلمة.
• وهل كنت طالبًا متفوقًا ؟
- لم يكن التفوق الدراسى محل اختيار بالنسبة لى.. لقد كنت مجبرًا على التفوق بحكم كونى ابن الناظرة.. ولم تكن أمى – رحمها الله – لتسمح لى بألا أكون الأول على القطاع التعليمى بأكمله, وأذكر أن سمعتى فى القطاع التعليمى قد وصلت إلى المديرية فى الصف السادس الابتدائى فكانوا يرسلون لى مراقبين من خارج القطاع خصيصًا لكى لا تتدخل والدتى بنفوذها فى نتائج الامتحانات, وقد أربكونى بتواجدهم اللصيق معى حتى أننى ولأول مرة أحصل على درجات متدنية وقتها (294 من إجمالى 300 درجة بواقع 98%) فى امتحانات القبول.
• وما أهم الذكريات والمواقف التى لا تنساها مع المدرسين والزملاء؟
- كنت أتمتع بالهيبة والحصانة مع المدرسين؛ نظرًا لمنصب والدى فى التربية والتعليم ولكنى كنت أيضًا أعانى من بعض مظاهر الغيرة والحقد من أترابى وزملائى فى المدرسة, فلكل شىء عيوبه ومميزاته, وقد فهمت هذا المبدأ منذ الصغر.
• وماذا عن المدرسين الذين أثروا فيك خلال هذه الفترة؟
- لقد كنت أحب مدرسِى وأصغى إليهم, ولهذا تجدينى أذكرهم كلهم بأسمائهم وشخوصهم, لعل أكثرهم تأثيرًا فى شخصيتى كان الأستاذ (تيتو سكر قلّد) مدرس العلوم فى المرحلة الإعداية والذى كان يعلمنا كيف نجرب الأشياء بأيدينا ولا نكتفى بالحفظ النظرى للتجارب الكيميائية, أذكر أيضًا الأستاذ (محمد قناوي) مدرس اللغة العربية بالمرحلة الثانوية الذى كان يخصنى – دون أترابى - بجمل صعبة ومعقدة لكى أقوم بإعرابها ثقةً منه فى مستواى وعلمى, أذكر أيضًا الأستاذ (مكرم) مدرس الجغرافيا فى المرحلة الثانوية الذى تعلم اللغة الفارسية خصيصًا لكى يتمكن من قراءة (رباعيات الخيام) بلغتها الأصلية والكثير والكثير من المدرسين الذين تركوا بصماتهم فى شخصيتى وتركيبى.
• وهل تذكر مصروف المدرسة وكيف كنت تنفقه؟
- لم أكن ممن يأخذون مصروفًا ثابتًا.. وذلك لتواجد أمى معى فى المدرسة وإمكانية ذهابى لها فى مكتبها فى أى وقت للحصول على ما أريد من مال, ولكنى أذكر جيدًا الأيام التى كان والدى يبيت فيها عندنا فى البيت كان يعطينى مصروفًا كبيرًا قد يصل إلى (العشرة قروش) أحيانًا، وهو مبلغ لم أكن أستطيع صرفه فى مجتمع قروى كالذى توجد به المدرسة فكنت أصرفه فى (سوهاج المدينة) حين أعود.
• وهل كنت تفضل الجلوس فى المقاعد الأمامية أم الخلفية؟ وهل تصف نفسك بأنك كنت طالبًا ملتزمًا أم مشاغبًا؟
- كنت أجلس فى المقاعد الأمامية فى فترة التعليم الابتدائى، ولكن فى المراحل الأخرى كنت أجلس (مجبرًا) فى المقاعد الخلفية؛ بسبب طولى المبكر.. فقد كنت أمارس رياضة (كرة السلة) وكنت فاره الطول بالنسبة لأصدقائى آنذاك.. وقد كنت طالبًا ملتزمًا بالطبع؛ لأن كل الأخبار كانت تصل إلى والدى الذى لا يرحم.
• حدثنا عن بداية موهبتك الشعرية وأول أبيات كتبتها؟ وهل كانت لك مواهب أخرى غير الشعر؟
- كانت أمى – رحمها الله – مدرسة لغة عربية قبل أن تحتل المناصب الإدارية الأخرى, وكنت ابنها الوحيد وكانت تهتم بى وبعلوم اللغة العربية وحفظ القرآن الكريم، مما جعلنى أتفوق بشكل ملحوظ فى علم النحو والصرف وبقية علوم اللغة, وأذكر مواقف عديدة فى فترة الصبا كنت أجابِه وأتحدى فيها أساتذتى وأجادلهم وربما أتفوق عليهم فى بعض الأحيان، ولكن لا يتسع المجال للحكى عنها الآن, هذا التميز جعل منى (شبه) ظاهرة فى الوسط الأدبى فى محافظة سوهاج، وجعل الأنظار تتمركز علىّ منذ الصغر وربما ساعد هذا فى اهتمامى بالأدب وإمعانى فيه, وأذكر أن أول قصيدة نشرت لى كانت فى جريدة (صوت سوهاج) التابعة للحزب الوطنى – آنذاك – وكنت فى سن الثانية عشرة, وربما ساعدنى محل سكنى المجاور لجامعة سوهاج وإخوتى الكبار منى كانوا يصطحبوننى إلى الجامعة وأنا مازلت غضًّا فكنت أقول أشعارى (المهترئة بالطبع) ولكنها كانت جيدة جدًا بالنسبة لطفل فى سنى, وإلى جانب كل هذا كنت أتدرب على معظم الرياضات المتاحة بسوهاج وقتها, حيث تدربت على السباحة فى (النادى البحرى) وتدربت على تنس الطاولة فى نادى (الشبان المسلمين) وتدربت على كرة السلة فى النادى البحرى وتدربت على كرة القدم فى استاد سوهاج الرياضى، ومارست الكاراتيه فى نادى السكة الحديد.. ولكنى فى الحقيقة كنت عضوًا عاديًا فى الفريق ولم أتميز بالدرجة التى يمكن وصفها بالموهبة.
• ومتى عرفت أول حب فى حياتك؟
- الحب الأول – فى رأيى – شائعة يروجها كل من ينهزم فى علاقة حب, فأرى أنه لا يوجد حب أول وحب أخير, الحب شعور ورغبة وإحساس يختلف باختلاف الوقت والظروف والمتغيرات المحيطة, وهناك دائمًا وقت لكى نحب, وهناك دائمًا طاقة موجودة بداخلنا يمكننا استخدامها فى الحب, أما أن ندعى بأن الحب مرة واحدة فهو الحب الحقيقى, أعتقد أنها شائعة يروجها الفاشلون الذين لا يستطيعون أن يحبوا مرة أخرى ويفضلوا الوقوف على أرصفة الذكريات والبكاء على اللبن المسكوب, أنا أرى أن الحب كيان متجدد ونبع فياض لا ينضب أبدًا, وأن هناك دائمًا وقتًا للحب مرة أخرى.
• وماذا كانت أحلامك فى الطفولة.. وهل تحققت؟
- الأحلام والطموحات ليس لها سقف, بالنسبة لأحلام الطفولة فقد تحققت بالطبع كاملة وزاد عليها ما لم أكن أحلم به وأنا طفل, ولكن طموحات اليوم وأهداف المرحلة المقبلة مازالت تستحق الكفاح والعناء, إن من يرون أن أحلامهم قد انتهت إلى هذا الحد هم الذين يصابون بالغرور والكسل, أما أنا فأرى أن هناك طموحات مازالت تستحق العناء للمرحلة المقبلة إن شاء الله.
• حدثنا عن المرحلة الثانوية وأهم ذكرياتك فيها؟
- المرحلة الثانوية بالنسبة لى كانت مرحلة المراهقة والشقاوة والانفلات, وقد بالغت فى (الشقاوة) آنذاك ولولا صبر أمى – رحمها الله – لما وصلت إلى الجامعة, ولهذا لا أريد أن أطنب فى الحديث عن هذه الفترة لكى لا أتجمل, (خلينا ساكتين بقى يا زينب).
• وكيف كانت أهم عاداتك فى المذاكرة؟ وهل كنت تفضل صداقة الطلاب المتفوقين وهى نصيحة معظم الآباء لأبنائهم أم كنت تبتعد عنهم؟
- فى فترة الدراسة لم أكن أذاكر, كنت فقط أقوم بواجباتى المدرسية, وفى المرحلة الثانوية لم نكن نذهب إلى المدرسة معظم السنة وكنت وزملائى نذاكر ليلاً ونلتقى عادة فى صلاة الفجر, وكنت أذاكر على صوت (منير) أو (فيروز), ولم يكن هناك متفوق بيننا ولا بليد, كنا أسرة واحدة نسكن فى (مدينة ناصر) التى لا تتعدى العشرين عمارة سكنية, وبالتالى لا مجال لك لاختيار أصدقائك, وهذا الوضع لن يفهمه إلا من يسكنون فى الأقاليم.
تابعونا فى الجزء الثانى من حوار الشاعر هشام الجخ والذى يتحدث خلاله عن فترة الدراسة الجامعية وعلاقاته التى تاب عنها ويفجر فيه عددًا من المفاجآت حول نظرة الحرس الجامعى وضباط أمن الدولة له، ولماذا قال له أحدهم: "هارحمك رغم أانك سافل ولسانك طويل" وعن نصائحه للشباب وللنظام الحاكم ومزيد من الأسرار انتظروها فى "كايرو دار".
عدد الردود 0
بواسطة:
زيكو
برافو
عدد الردود 0
بواسطة:
مها
17 اخ يانهار ابيض