حمل خطاب الرئيس الأخير فى افتتاحية مؤتمر حقوق المرأة المصرية، تهديدات صريحة ومباشرة لكثير من الساسة والصحفيين والإعلاميين تكاد تنطق بأسماء أصحابها وإن أشارت إليهم بوضوح يقترب من وضوح الشمس، ثم أردف بالحديث عن أصابع غير خفية تلعب فى الداخل المصرى لن يتوانى فى قطعها وإزالتها دون الحاجة أو اللجوء إلى عملية جراحية، غير أن هذه الإجراءات لابد وأن تستوجب عملية جراحية متأنية شديدة الحرفية والإحترافية لكى لا تحيد عن عدالتها وقانونيتها وحتى لا تتسبب فى نتائج عكسية تكون سبباً فى إنبعاث توتر وفتن نحن فى غنى عنها ويكفينا ما نحن فيه.
هذه التهديدات لم تكن الأولى التى يطلقها الرئيس لا فى نوعها ولا حجمها ولا حتى تأثيرها، حيث سبقتها أخرى كانت فى الخطاب الذى عرف بخطاب الأهل والعشيرة أمام الاتحادية، والذى أشير فيه إلى مؤامرة تحاك ضد الرئيس والدولة، فهمنا أنها واضحة المعالم مكتملة الأركان ثابتة الدلائل والقرائن والبراهين، فتوقعنا إجراءات قانونية صارمة عاجلة يُدان فيها أصحابها طبقاً للقانون الذى التفت به ثورتنا العظيمة، غير أن هذا القانون يبدو وكأنه مازال غائباً مغرباً بوجه عنًا، فلم يحدث ما أشير إليه وبه وما توقعه السامعين والمشاهدين والتابعين والمتابعين والمعارضين.
وبرغم يقينى أن موقعتى الاتحادية والجبل – على السواء – هما إدانة قوية وصريحة لكل من شارك فيهما، حيث تطابقت كثير من أركانهما، فهما استمراراً لنزيف الدماء المصرية على جنبات الشوارع والطرقات والميادين، وبأيدى شركاء الثورة المصرية الذين كانوا بالأمس القريب رفقاء فأصبحوا اليوم أعداءً فرقاء، وهو إن دل فإنما يدل على مدى الانقسام الحادث فى المجتمع المصرى وفى الشارع السياسى الذى أدى إلى تصدع فى الثورة المصرية، كما أنه دالُ على مدى الاستهانة بالدم المصرى المُسال والذى أصبح رخيصاً على أصحابه أكثر من أعدائه، وهو ما يستوجب بالضرورة إجراءات قانونية عادلة موحدة.
إن الفاعل سواء المنفذ أو المحرض فيهما مجرم بلطجى يجب محاكمته ثم عقابه إن ثبتت إدانته، ولا يعد بأى حال من الأحوال ثائر أو ناشط أو باحثاً عن الديمقراطية أو ساعياً لحرية أو حريصاً على رأى أو تعبير أو نقد أو مبتغياً لمصلحة وطن مازال يشكون جفاء أبنائه بعدما جفاه حكامه وحكوماته، إلاً أن الأكيد أنه نفس الجُرم مع اختلاف الفاعل واختلاف الحدث.
إن الخطأ الحقيقى فى خطاب الريس مرسى ليس فى التهديدات التى انطوت عليها سطوره، ولا فى حدته، ولا فى غضبته، بل فى توقيته الذى أعقب أحداث موقعة الجبل الذى تعرضت فيها الجماعة لاعتداء وحشى أدمى القلوب والعقول لما احتوته من مشاهد سحل وضرب وحرق لكثير من شباب وشيوخ واعتداء على نساء تكررت أحداثها فى سابقتها، وهم جميعاً مصريون بصرف النظر عن أيدلوجيتهم أو لونهم السياسى أو انتمائهم الحزبى.
وفداحة خطأ التوقيت فى كونه سيلقى بظلاله ليشير إلى انحياز للجماعة من قبل الرئيس وجهات التحقيق، وهو ما يؤكد كل أقاويل واتهامات بالتبعية وعدم الاستقلالية، فضلاً عن تهمة رئيس جماعة لا دولة، وعلى هذا فإن أى إجراءات ستعقبه مهما كانت درجة صوابها فستأتى بنتائج عكسية كارثية، حيث ستكون بمثابة انتحار سياسى كامل للرئيس والجماعة على السواء.
إن اعتقادا جازماً فى أن الرئيس لابد وأن يكون منصفاً للجميع، متوازناً لا يميل، وجهته وغايته سيادة القانون فيكون سيفاً على الرقاب جميعها مهما كان ذلك مكلفاً أو مؤلماً.
فبهذا وحده، ستسود دولة القانون التى يستظل بها القاصى والدانى بعدما تطمئن القلوب والنفوس الى ميزان العدالة الذى لا يحيد قيض أُنملة، وعندها يُرفع الرئيس على الأكتاف وفوق الرؤوس.
الرئيس محمد مرسى فى افتتاحية مؤتمر حقوق المرأة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة