د. محمد على يوسف

عندما تكون الفظاظة أسلوباً للحياة

الأربعاء، 27 مارس 2013 08:23 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ماذا حدث للمصريين؟
إنه السؤال الدائم الذى لم أجد له إجابة إلى الآن.

لا شك أن الكل يلاحظ فى أى درك نتدنى، وإلى أى مدى وصلنا بكل أطيافنا، وأنا أقولها، وأعنيها، كل الأطياف تشترك بدرجات متفاوتة فى أصل المشكلة، المشكلة الأخلاقية. ولست أعنى هنا فقط البلطجة، والتخريب، والتحرش الذى صارت تنضح به شوارعنا، وفعاليات ما ينسب زورا وبهتانا للثورة فهذه أمور قتلت بحثا، وكتبت عنها مرارا، وسأكتب بإذن الله طالما ظلت قائمة. لكننى أتحدث هنا عن أخلاق المصرى، وأكرر التساؤل الذى أخشى أن يظل معلقا إلى الأبد منذ أن أطلقه الأستاذ جلال أمين فى كتابه المعنون بهذا السؤال: ماذا حدث للمصريين؟ لماذا صارت الفظاظة هى الأصل فى الناس إلا من رحم الله؟

أين ذهب الأدب، والذوق، والكياسة، واللياقة، واللباقة، ولين الجانب، والمجاملة اللطيفة، والكلمة الطيبة، والبسمة المشرقة، وحسن الظن، وسائر تلك المعانى «التاريخية»؟!

هل ذهب كل ذلك أدراج الرياح، وجعله الصراع السياسى، والتحزب، والاستقطاب هباء منثورا تذروه عواصف الكراهية، والغل التى تؤجج فى كل لحظة؟ نعم هناك مشكلة حقيقية.. مشكلة أخلاقية.
كلنا يلحظ هذا فيمن حوله، بل أحيانا فى نفسه، وأقرب الناس إليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
البعض يربط ذلك التغير الأخلاقى بالثورة، وما يصحب الثورات دوما من تبدلات جذرية فى تفكير، وطبائع الشعوب التى تتعرض لتلك اللحظات الفارقة.
والبعض يربطها بالانفتاح الإعلامى الرهيب، وعاصفة المكلمات الليلية التى تتحول كثيرا إلى ما يشبه حلبات مصارعة، ترسخ تلك الحالة العنيفة لدى الوجدان المصرى، الذى يتابعها كل ليلة بشغف، والبعض يحيلها لحالة الاحتقان، والاستقطاب الناشئ عن المنافسة السياسية التى تعد إلى حد كبير جديدة ومستحدثة على شعب تعود أن هناك من يضع صوته بالنيابة عنه، ويزور إرادته عنوة وقهرا، ويرى البعض أن الظروف الاقتصادية الطاحنة تلعب دورا، بينما يفسر ذلك آخرون بحالة التضخم التواصلى عبر شبكة الإنترنت، وأنا أعتقد أن كل ذلك مجتمعا قد أزال غباراً عن أشياء كامنة، فبرزت إلى السطح لكنه لم يستحدثها من العدم. يبدو أن هذه الآفات كانت موجودة بالفعل فى الأعماق، وكانت فقط تنتظر ما يحفزها للظهور وقد وجدته.. شبكات التواصل الاجتماعى على سبيل المثال لعبت دوراً كبيراً فى تلك المشكلة، إن مجرد إحساس المرء بقدرته على السباب، والإهانة من خلف لوحة المفاتيح يعطيه نوعاً من الشجاعة الكاذبة، واللذة الخفية، والإحساس بنصر زائف، ورخيص، وإنى لأعلم أناسا فى غاية الخجل، وربما الانطواء خارج الـ«فيس بوك» و«تويتر»، بينما تجدهم على هذه الشبكات فرسان البذاءة، وإن كانت البذاءة ليس لها فرسان. إنها شجاعة من خلف الشاشات، واحتماء بالكيبورد، وأخلاق ضباع تنضح بالخسة والنذالة، ثم بدأت تلك الشجاعة، وإن شئت فسمها الوقاحة، تتخذ منحنى جديدا، فمع كثرة الاحتكاك، والتعامل مع الفظاظة، وسوء الأدب بدأ البعض يفقدون قدرتهم على التفريق بين الواقع الافتراضى، والواقع الحقيقى، وامتدت الوقاحة، والفظاظة لتصير بالتدريج سمة فى مجتمعاتنا، وشوارعنا، ومنتدياتنا العامة، والخاصة.. صارت الآداب والأخلاقيات التى نشأنا عليها لدى الكثيرين ضعفا، وقلة حيلة. صحيح أن كثيرا من المصريين لا علاقة لهم بمواقع التواصل الاجتماعى، وربما لا علاقة لهم بالإنترنت نفسه، لكن نسبة لا بأس بها تكفى لتتأثر بهذه الطبائع الجديدة، نسبة حرجة طبيعتها الشبابية تجعلها قادرة على التأثير فيمن حولها ممن لم يباشر بنفسه تلك الوسائل الحديثة، لكن ريحها قد تسرب إلى أنفه، وعقله من خلال التعامل مع من يباشرونها.

المشكلة أن الحياة الحقيقية ليس فيها حظر أو ما يعرف بـ«البلوك»، وهو الوسيلة التى يتعامل بها رواد تلك المواقع مع من يضايقونهم ويؤذونهم بألفاظهم وفظاظتهم!
فى الحياة الواقعية سنظل نعيش معا، ولابد أن نسمع لبعض وأن نتعلم كيف نتعايش، ونواجه هذا المنحنى الحاد والخطير، الذى يحتاج منا جميعا وقفة حاسمة، قبل أن نجد حياتنا وقد تحولت إلى صفحة «فيس بوك» بذيئة، وتصير الفظاظة أسلوبا للحياة.









مشاركة

التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

Sherif

اكثر من رائع

مقال جميل ومتزن ربنا يكثر من أمثالك.

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة