مما لاشك فيه أن العالم شهد على مدار العقدين السابقين ثورة فى وسائل وتكنولوجيا الاتصال، والتى صاحبتها ثورة فى إتاحة المعلومات فى جميع المجالات لكافة الشعوب فى مختلف بقاع الأرض.
ولكن الحقيقة أن هناك قطاعا تأثر سلبا بهذه الثورة المعلوماتية إلا وهو منظومة الثقافة الصحية.. فبدلا من أن تكون هذه الثورة المعلوماتية جانبا مضيئا للتثقيف الصحى للعامة، انعكست سلبا بالمساهمة فى انتشار حالات التوهم المرضى من الأمراض الخطيرة.
وأنا على يقين بأن الكثير من زملائى فى المهنة يعانون مثلى فى محاولة إقناع عدد لا بأس به من المترددين على العيادات بأنهم لا يعانون من أى أمراض خطيرة، كما توهموا نتيجة اطلاعهم على تفاصيله بالإنترنت بعد إحساسهم بعرض عام وبسيط ووجدوه ضمن أعراض هذا المرض الخطير عند بحثهم.
وهذا التأثير السلبى حدث نتيجة عدة عوامل أهمها أنه كان من المفترض أن يكون القائمين على البرامج والمواقع التى تهدف لنشر معلومات صحية للعامة، همهم الأكبر ورسالتهم الأساسية هى نشر الوعى الصحى لكيفية الوقاية من الأمراض وكيفية تجنب الإصابة بها.. وليس مناقشة الأمراض وأعراضها مما أصاب الناس بكثير من التشويش الفكرى وزاد من قلة الوعى الصحى.
لقد كان من المفترض أن تساهم الثورة المعلوماتية فى تثقيف الناس صحيا فى كيفية تجنب العادات السيئة وكيفية تغيير أنماط المعيشة السيئة التى تؤدى إلى الإصابة بالأمراض.. ومن المفترض تنبيههم للحرص على مراجعة المختصين لاكتشاف الأمراض مبكرا، وبذلك يسهل العلاج والشفاء التام.. لقد كان من المفترض المساهمة فى نشر الوعى الصحى بأن هناك أعراضا عامة مشتركة لقطاع عريض جدا من الأمراض منها البسيط جدا ومنها الخطير جدا، ولذلك فالحكم الفصل هو الطبيب المختص بدلا من نشر المعلومات بشكل يعمق الجهل الصحى بين العامة ويؤدى إلى فزعهم.
لقد كان من المفترض أن تساهم هذه الثورة المعلوماتية فى تثقيف الناس فى فهم طبيعة التخصصات الطبية ونطاق كل تخصص لتوجيه المريض بوعى إلى المتخصص فى مشكلته الصحية بدلا من أن يقع بجهله فريسة لمدعى المهنة أو يلجأ إلى أساليب غير مهنية على الإطلاق للعلاج من مشكلته.. والحقيقة المؤسفة أن كثير من الناس ومنهم من هو على مستوى ثقافى عال لا يعرف بالضبط إلى أى تخصص يراجع عند إصابته بوعكة صحية معينة وقد يذهب إلى الطبيب غير المتخصص فى مشكلته وللأسف هناك قلة من الأطباء الذين يستغلونهم ويتمادون فى علاجهم مما يترتب فى كثير من الأحيان إلى مضاعفة حالاتهم. لقد كان من المفترض أن تساهم فى تثقيف العامة فى معرفة حقوقهم وواجباتهم عند مراجعتهم للأطباء والمستشفيات.. وتثقيفهم بمفهوم الأخطاء الطبية أثناء الممارسة والمقبول منها فى إطار الممارسة الصحيحة، والأخطاء المهنية غير المقبول حدوثها، والتى يجب أن يطالب فيها المريض بحقه. فللأسف الشديد نتيجة الجهل فى هذه الجزئية تجد أحيانا حدثت مضاعفات خارجة عن أيدى الطبيب المعالج، الذى بذل كل جهده بإخلاص وتفان وهى مضاعفات معروفة علميا، ولكن يدخل الطبيب فى صداع مؤلم لفترة طويلة سواء من لوم المريض وأهله أو حتى الانتهاء من إجراءات المقاضاة طمعا منهم فى الحصول على أى تعويض.
وفى المقابل تجد هناك آخر قام بخطأ طبى جسيم نتيجة الإهمال أو الجهل، ولكن نتيجة الجهل يتلقى هذا الطبيب أحيانا الشكر والثناء.
إننى أتمنى أن تراجع كل الهيئات والمؤسسات القائمة على نشر المعلومات فى المجال الصحى للعامة، لبرامجها وفلسفتها فى تقديم المعلومات والتجرد من أى دوافع تجارية ويكون الاهتمام الأسمى هو تقديم ثقافة صحية حقيقية ومؤثرة فى الإطار، الذى يهم العامة الإلمام به، والذى ينعكس بالإيجاب على المجتمع بأسره فى ممارسة صحية مجتمعية سليمة.
إننى أتمنى تبنى برامج محو الأمية فى المجال الصحى للعامة، لأرى عامة الناس على دراية واعية بما لهم وما عليهم فيما يخص الرعاية الصحية، وأراهم يعون جيدا حدود التخصصات الطبية ويملكون حسن الاختيار للطبيب المناسب لمشكلتهم وعدم الوقوع فريسة للممارسات الخاطئة من أى فرد أو جهة.
د.عاطف الجمل يكتب: ثورة المعلومات والثقافة الصحية
الأربعاء، 27 مارس 2013 05:06 م