دشنت الكثير من المناظرات وتطلق العديد من الحوارات والأحاديث للتساؤل حول التحول الديمقراطى فى مصر وصل إلى أين؟، وفى حقيقة الأمر لو ركزنا قليلاً نجد أن المحاورين والمنظرين لم يشيروا ولو بكلمة عن هذا الموضوع فكل منهم له رؤية وتوجه يأتى لكى يقوله فحسب، وأعتقد أن هذا هو التحول!!. لهذا قررت أن أكتب عن التحول الديمقراطى فى مصر بعد الثورة، ومعرفة هل تعتبر مصر دولة من دول الديمقراطيات الناشئة أم ماذا، وللدخول فى هذا المجال يجب أن يدرك الجميع أنه ليس من الضرورى أن يتبع قيام الثورات ديمقراطية أو عملية تحول ديمقراطى فقد يعود النظام الاستبدادى مجدداً، كما فى الحالة الرومانية والروسية أو قد يظهر النظام القديم فى ثوب جديد، كما نشهده الآن فى الحالة المصرية.
إن ما يحدث فى مصر بعد الثورة، ليس تحولا ديمقراطيا كى يتساءل البعض التحول الديمقراطى إلى أين، بل تلاشت كل معالم عملية التحول الديمقراطى، ولم تشهد الساحة أى إجراء سليم من إجراءت عملية التحول الديمقراطى بعد الثورة، وكان يجب التساءل عن هل دخل التحول الديمقراطى مصر أم ما زلنا فى مرحلة استبداد الدولة؟
إن الديمقراطية جوهر كل دستور سياسى، والدستور المصرى مشوه وعقيم، وبالتالى فالديمقراطية المصرية لم تقم بعد بل هناك محاولات عرجاء تسعى للاستبداد تحت مزاعم التحول الديمقراطى، وأساليبها لم تختلف عن النظام السابق، فالنظام يتجمل بالألفاظ والخطابات موظفاً دماء شهداء الثورة ويسعى لتهجين التسلطية بأن ترفع شعارات الديمقراطية لتحقيق أهداف ومصالح معينة.. أن الديمقراطية أصبحت نظاماً سياسياً ذا قيمة فريدة فى هذا العصر، فكل بلد تعلن نفسها ديمقراطية على الرغم من افتقارها إلى الشرعية، كما ظهرت أيضاً تركيبات غريبة يستخدمها الساسة سواء فى النظام أو من المعارضين، وكل هذا ليس تحولا ديمقراطيا، بل احتواء للثورة، كما حدث فى البرتغال.. فالدولة تقف كعقبة فى عملية التحول الديمقراطى فهى تعمل على انسداد الطرق من أجل أخونة الدولة.
إن ما يحدث فى مصر ما هى إلا هجين التسلطية "تلفيق للديمقراطية" من خلال خلق مزيج من التعددية الموجهة، كانتخابات مقيدة، وقمع انتقائى، ولم يقتصر على كونه استراتيجية لبقاء النظام الحالى فحسب بل طرح كنموذج من نماذج التحول الديمقراطى.. وعليه فمصر دخلت دائرة تضييق حدود المشاركة وتبنت الاستراتيجية الرمادية للتحول اللاديمقراطى.
لا يوجد فى مصر أى مؤشر لعملية التحول الديمقراطى فهناك تسيس للقضاء وتحطيم قواعد التنافسية الانتخابية من خلال الإصرار على قانون انتخابات يكرر أخطاء الانتخابات الماضية، ويعصف بحقوق الناخب والمرشح من خلال ترسيم دوائر انتخابية تحابى النظام الحاكم على حساب الأحزاب والشعب، وهو ما فعله أحمد عز فى إعادة ترسيم دائرة مصطفى بكرى لضرب المعارضة لصالح الحزب الوطنى.
إن مقارنة إجراءات عملية التحول الديمقراطى بما حدث فى مصر يؤكد أننا مازلنا بعيدين عن البدء فى عملية التحول الديمقراطى، وما يؤكد ذلك انظروا إلى إجراءات وخطوات التحول الديمقراطى وهى:
• الدستور والظروف، التى تم فيها لم ولن يكن انعكاساً لعقد اجتماعى جديد أو نتاجاً لتوافق القوى السياسية والاجتماعية.. بل مؤشر لنزعة الغلبة والاستحواذ للقوى الإسلامية، كما برز فى تشكيل اللجنة التأسيسية الأولى والثانية، وتحصين اللجنة التأسيسية التى أعدت مشروع الدستور- بكل ما ينطوى عليه من اختلالات وانقسامات حادة حوله – وذلك حتى لا تحكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية قانون تشكيلها المختل.
• إن العملية الانتخابية وما تتضمنه من نظام انتخابى لا تقوم على قواعد وأطر تشريعية تحترم التنافسية الانتخابية أو تأسس نظام انتخابى عادل يُمكن كل القوى السياسية، بل تكرر خطأ مجلس الشعب المنحل، وتزيد من إرهاق الدولة مالياً وتبعدنا كل البعد عن الانتهاء من المرحلة الانتقالية، فضلاً عن تحصين الشورى من الحل لعدم دستورية القانون الانتخابى وتعيين 90 نائبا باسم الديمقراطية؟!
• إن سياسات وأداء النظام السياسى وأعنى إجمالاً للنظام الحاكم والقوى المعارضة فكل منهما لا يسعى لإرساء ركائز التحول الديمقراطى، بل تسعى لتدشين إستراتيجية خاصة، فمن ناحية النظام الحاكم نجد أخونة واضحة للدولة فى تشكيل رؤساء تحرير الصحف، والمجلس القومى لحقوق الإنسان، وتشكيل الرئيس لمؤسسة الرئاسة، ومن ناحية المعارضة، فالأغلبية منها منتفعون يسيرون على ضرب الواد محروس بتاع الوزير ويتجملون فى تصريحات وفضائيات دون أجندة حقيقية للإصلاح.
• إن إجراءات التحول الديمقراطى يتطلب استيعاب كافة الجماعات السياسية والاحتماعية، وما يحدث فى مصر بقيادة الرئيس ما هو إلا صدام بين مكونات النظام السياسى وافتقاد التوافق، حيث انزلقت الفواعل السياسية إلى الصراع فيما بينها بسبب الدستور المشوه. وظهر التيار الحاكم وكأنه مسعور سياسياً، حيث أنتج سلوكيات غير مقبولة.
• الصدام بين النظام الحاكم والمؤسسة الدينية - الأزهر الشريف- والمؤسسات الصوفيّة من جانب ودعاة ومسئولى الإسلام السياسى فى الجانب الآخر، وما نتج عنه من فوضى الإفتاء والاستقطاب السياسى والدينى فى البلاد، كما تعددت مستويات هذا التصادم والتى ألقت بظلالها على البعد الدولى، وهو ما لوحظ من الصدام بين الأزهر الشريف والرئيس الإيرانى فى زيادته الأولى لمصر بعد الثورة رغم التوافق السياسى بينه وبين القيادة السياسية المصرية.
• تسييس القضاء منذ عهد المخلوع، بالإضافة إلى محاولات الإخوان لإسقاط دولة القانون فى بلونات الاختبار لإعطاء الضبطية القضائية للمواطنين لإشعال حرب أهلية والقضاء على معالم الدولة المؤسسية.
• الاقتصاد، وكيف تتعامل الحكومة المصرية مع المستثمرين؟.. هل استطاع النظام مواجهة الأزمة الاقتصادية أم يسعى لمزيد من الشلل الاقتصادى للدولة وتزايد معدلات البطالة والارتفاع المهول فى الأسعار وتدنى سعر العملة المصرية وانهيار السياحة إلى غير ذلك من المشاكل، بل يسعى الإخوان إلى أخونة اقتصاد مصر، وتجلى ذلك واضحاً فى اقتحام قيادات الإخوان المؤسسات الاقتصادية للدولة.
• لم نحظ بالاستقرار السياسى أو تدن لمستويات العنف، فقد شهدت السكك الحديدية وقوع 9 حوادث، وتعالت معدلات الوفيات، فمنذ صعود الرئيس هل شهدت مصر حالة استقرار سياسى؟ هل انخفض عدد الشهداء؟ بل هناك استهداف للكوادر الثورية.. ومن ناحية أخرى ازدادت حالات الانفلات الأمنى ومظاهر عدم الاستقرار السياسى فوفقاً لأحد التقارير سجلت الساحة المصرية خلال عام 851 وقفة احتجاجية، و561 حالة قطع طرق، و558 حالة تظاهر، و514 إضرابا عن العمل، و500 حالة اعتصام، و163 حالة تجمهر، و135 حالة إضراب عن الطعام، و64 حالة اقتحام مكتب مسئول، و140 مسيرة، و30 حالة احتجاز مسئول داخل مكتبه، و26 حالة إغلاق لمقرات حكومية، و13 حالة إضراب عن الدراسة، و13 محاولة انتحار أو إحراق للنفس، وأن معدل الاحتجاجات ارتفع إلى أكثر من الضعف فى النصف الثانى من 2012 متزامنا مع فترة حكم مرسى.. فزاد عدد الاحتجاجات من 185 فى شهر يناير، و119 فى فبراير، و170 فى مارس، و270 فى أبريل، و206 فى مايو، و157 فى يونيه، إلى 566 احتجاجا فى شهر يوليو (مع تولى الرئيس مرسى)، و410 فى أغسطس، و615 فى سبتمبر، و507 فى أكتوبر، و508 احتجاجات فى شهر نوفمبر، وفى الثلث الأول من شهر ديسمبر رصد المركز 104 احتجاجات.
إن عرقلت عملية التحول الديمقراطى فى مصر ليست مسئولية النظام الحاكم فحسب، بل مسئولية المعارضة أيضاً، التى قد لا تتلاءم سلوكياتها ومواقفها مع ما تنادى به، ويعكس غياب الرؤى وعدم استقامة قواعد الديمقراطية داخل أروقتها السياسية، فكل ما يحدث داخل الحزب من سياسات يعكس سلوك هذه الحزب حالته صعوده للسلطة. والسؤل هل تحترم الأحزاب السياسية قواعد الديمقراطية داخلها؟!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة