إفشال الدول من الداخل أو تفجيرها من الداخل هى نوع من الحروب يتغنى بها المفكرون الغربيون وسياسيوهم ومعاهدهم المتخصصة للدراسات السياسية والاستراتيجية، إفشال الدول من الداخل سيف إمبريالى مسلط على رقابنا منذ عقود.
محاولة إفشال مصر من الداخل رصدناها فى عهد الزعيم جمال عبد الناصر، وتمت ممارسة ضغوط من البنك الدولى وصندوق النقد الدولى، وتمويل بناء السد العالى، ولكن فشلت كل المحاولات وانطلقت قافلة البناء والتنمية.
سمعنا وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس، تحديدا تسميها الفوضى الخلاقة، التى تقوم أساسا على خلق حالة من الفراغ السياسى الذى يؤدى إلى حالة من الفوضى والانفلات فى كل شىء يغذيه الصراع على السلطة بأساليب غير ديموقراطية.
فى هذه الحروب القذرة يتم استغلال البنية الديموغرافية للمجتمعات مثل وجود القبائل والعشائر ووجود الأقليات الدينية والعرقية. أيضا يتم فيها استغلال الأفكار الأيدولوجيات المتنافسة للنخب السياسية والثقافية والإعلامية للمجتمعات.
هذه الحروب الهدف منها فرض الهيمنة والتبعية بعد النجاح فى تفجير مؤسسات أى دولة من الداخل وتحديدا بأيدى أبنائها، عندها تصبح الدولة ضعيفة ورخوة وفاشلة كمرحلة تمهيدية للتفكك أو التهديد بالتفكيك والتقسيم.
عدد لا باس به من الدول العربية وقع فى هذا الفخ، العراق مهدد بالتقسيم بعد تفكيك بنيته السياسية وإعادة ترتيبها بقوة السلاح والغزو، وكذلك لبنان وسوريا واليمن وليبيا، السودان تم تقسيمه فعلا، الصومال خارج السيطرة، الشعب الفلسطينى يعانى من الانقسام.
الهدم والانقسام والتقسيم سهل جدا لأن دول الغرب تساعده وتشجع عليه، أما إعادة اللحمة والمصالحة فهى شىء صعب وشبه مستحيل لأن نفس هذه الدول تضع أمامه العراقيل.
توجد مخططات لتقسيم مصر فى إدراج الصهاينة والصليبيين، تمت محاولات كثيرة لزرع بذور فتنة تقسيم مصر، هناك محاولات خلق قضية لأهلنا فى النوبة، هناك محاولات وخطط للانقضاض على سيناء الحبيبة بحجة محاربة الإرهاب، هناك محاولات وخطط لتدويل ما يسمى بالقضية القبطية التى لا وجود لها أصلا.
بعد ثورة مصر المجيدة نجح الثوار بحفاظهم على سلمية الثورة ونجح الجيش المصرى الباسل بالحفاظ على كيان الدولة المصرية أقدم الدول على وجه الأرض، نجح الشعب المصرى العظيم فى إنقاذ مصر من الفوضى الخلاقة التى وعدنا بها الرئيس المخلوع.
اختار الشعب ويسانده الجيش الديموقراطية كوسيلة وحيدة للتنافس على السلطة وأرسى مبادئ الحرية الغائبة على مدى عقود من الدكتاتورية وكذلك أرسى مبادئ المساواة بدون أى تمييز إيجابى أو سلبى، والمساواة أساس العدل.
الجسد العام للشعب المصرى يؤمن بالحرية والديموقراطية والعدل والمساواة ودولة القانون وهذه مجتمعة هى لب وقلب ثورة 25 يناير والطريق الصحيح لتحقيق أهدافها.
أعتقد أن وجود قلة قليلة وبعض بقايا النظام المخلوع حاولوا إحداث فوضى خلاقة لإجهاض الثورة، وإضعاف الدولة فى مرحلة تولى المجلس العسكرى لإدارة البلاد.
بعد ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية تحديدا ازدادت الهوة والفجوة بين أصحاب المشروع الإسلامى بعد اختيار الشعب لهذا المشروع وبين أصحاب المشروع الغربى الذى يرفض هذا المشروع الإسلامى ولا يطيق حتى مجرد الكلام عنه.
ازداد الاستقطاب وارتفعت وتيرة العنف فى المجتمع وخاصة مع وجود علامات على ضعف الدولة وهشاشة بنيانها مثل: عدم تعافى قوى الأمن الداخلى، وانتشار الأسلحة المهربة فى الشوارع والبيوت، ومطالبات بعودة اللجان الشعبية.
وانتشار أعمال الحرق وحصار المؤسسات والاعتداء على الممتلكات، والاعتداء على مقرات الأحزاب كرموز للعمل الديموقراطى، ودعاوى رفض الدستور الجديد، وأزمات اقتصادية طاحنة من كل نوع، وانتشار تجارة الممنوعات بالإضافة إلى حداثة وضعف أغلبية الكيانات السياسية من أحزاب وخلافه.
كل ذلك يتناغم مع رسائل سلبية من دول الاتحاد الأوروبى والبنك الدولى وصندوق النقد الدولى، ويتناغم من حملة إعلامية شرسة على كل قرار تتخذه الحكومة أو مؤسسة الرئاسة أو حتى مجلس الشورى المكلف دستوريا بمهمة التشريع، ويتناغم مع أفعال وردود أفعال متبادلة، وفى ظل غياب سياسات واضحة للخروج من الأزمة وخاصة تغييب مبدأ المشاركة لا المغالبة وانعدام الحوار الوطنى.
الحقيقة التى أريد أن أقولها من على هذا المنبر الحر إننى أرى مخططا وأقوال ممنهجة وربما أفعال فى هيئة مؤامرة لهدم كيان الدولة المصرية العريقة بهدف تنفيذ مؤامرة التقسيم الموجودة فى الأدراج الصهيونية والصليبية.
أرى أن الوسيلة إلى ذلك خلق حالة من الفوضى، المرفوضة مهما كانت خلاقة، تقوم على رفض إرادة الشعب فى اختيار المشروع الإسلامى نحت غطاء محاربة التمكين أو الأخونة.
الحقيقة إننى بالرغم من أننا نمر بأزمة كبيرة تصل إلى حد المأساة أو الكارثة لا أشعر بالقلق بل بالعكس أنا متفائل تماما بأننا سنعبر من عنق الزجاجة إلى النهضة والريادة والسبب ببساطة قناعتى التامة بأن مصر غير قابلة لأن تكون دولة فاشلة أو دولة منبطحة أمام دول الاستكبار العالمى وخاصة بعد ثورة 25 يناير ولعدة أسباب:
أولا: جميع أحزابنا السياسية والزعماء السياسيين الموجودين على الساحة يتمتعون بالصدق والوطنية ويمتلكون القدرة على تصحيح المسار، وترتيب البيت المصرى بما يتلاءم مع تاريخهم الحضارى والنضالى الذى صنعه الآباء والأجداد.
ثانيا: الحقيقة والواقع تقول إننا جميعا مصريون ومصر لنا جميعا نعيش فيها وتعيش فينا، وإننا جميعا قبلنا العمل وفق آليات الديموقراطية وأصبح لدينا رئيس مدنى منتخب وشرعى ومسئول أمام الشعب وامتلكنا دستورا جديدا وافق عليه الشعب.
ثالثا: مصر تمتلك الأزهر الشريف قلعة الإسلام الوسطى الذى ناضل أكثر من ألف عام مطالبا بالعدل والإنصاف للجميع ومن الجميع وحتى اليوم مازال يطالب الغرب بالعدل والإنصاف ولا ننسى الدور الوطنى للكنيسة القبطية ورفض تدخل الغرب فى الشأن المصرى الداخلى، مما ساعد على خلق نسيج وطنى فريد من نوعه لا شبيه له فى العالم.
رابعا: نواة مصر الصلبة تتمتع بالوطنية والشرف والإخلاص فى العمل من أجل مصر فهناك جيش محترف وشرطة لها تاريخ فى حفظ الأمن وقادرة على تصحيح المسار والعقيدة الأمنية وقضاء مستقل ومستقر العدالة وأجهزة استخباراتية مشهود لها بالكفاءة.
خامسا: شعب مصر الواعى وخاصة الشباب المدرك لمدى أهمية سلمية ثورته وإصراره على تحقيق أهداف ثورة 25 يناير التى يجب أن تستمر سلمية. شعب مصر الرافض للعنف فى الماضى كما فى الحاضر.
كل ذلك وأكثر بكثير فى بلد نهر النيل والسد العالى وقناة السويس ووقوف أشقاء وأصدقاء مصر وما أكثرهم بجانبها فى هذا الظرف الدقيق لا أجد نتيجة إلا التفاؤل واليقين فى قدرة مصر على الخروج من هذه الأزمة السياسية والاقتصادية إن شاء الله.
مع مصر لن تفلح لا حروب الغرب القديمة ولا الحديثة ولا حروب الجيل الرابع كما يقولون، مع مصر لن يفلح البنك والدولى أو صندوق النقد الدولى فى فرض أى شروط أو هيمنة مصر تختلف كثيرا عن أى دولة أخرى لأنها غير قابلة للتفجير من الداخل أو التقسيم أو أن تكون دولة فاشلة لأنها هى التى علمت البشرية ما هو معنى الدولة وكيف تكون الدولة. عاشت مصر بلادى حرة مستقلة وقوية.
د. عبد الجواد حجاب يكتب: مصر عصية وأبية على الفشل
الأحد، 24 مارس 2013 10:29 م