معصوم مرزوق

خذوا العلم ولو فى.. الهند!

الأحد، 24 مارس 2013 08:14 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بلغ السيل الزبى.. ومع ذلك مازلت أؤمن بأن هذا الوطن يمتلئ بالعقلاء، وبأن الله سوف يحمى هذا البلد الطيب، وبمناسبة الزيارة التى قام بها الرئيس مرسى إلى الهند، تمنيت أن يكون قد اطلع على بعض تاريخ هذا البلد الساحر، رغم أنه من الطريف أن من ضمن مأثورات الفهلوة التى يحفظها أهل البلد ويستخدمونها للتدليل على ذكاء الشخص المصرى منقطع النظير، أن يقول محتجا ساخرا: «هو أنا هندى؟!
ومع ذلك، فقد عرفت الهند نموذج «غاندى» أمير المقاومة السلمية، بل عرفت حاكما مسلما رائعا هو الإمبراطور المغولى أبوالفتح جلال الدين أكبر حفيد القائد المغولى الشهير تيمور لنك، الذى حكم أغلب مناطق شمال ووسط الهند فى القرن السادس عشر الميلادى، وتولى الحكم حين كان فى الثالثة عشرة من عمره، وشهد عصره حضارة عظيمة، بسبب تفتح هذا القائد العظيم.
لقد كانت المناطق الشاسعة التى خضعت لحكم «أكبر» تعج بالاختلافات الدينية والعرقية والثقافية، إلا أنه نجح فى تحقيق سلام مجتمعى متميز، فى نفس الفترة التى كانت خلالها أوروبا تتخبط فى ظلام محاكم التفتيش حيث يتم إحراق البشر أحياء ليس فقط لاختلاف العقيدة وإنما لاختلاف المذهب، بل فى أغلب الأحيان ضحايا وشاية أو نميمة أو إشاعة كاذبة.
لقد أصر «أكبر» على أن مسؤولية الدولة هى حماية المواطن من أن يتدخل أحد فى عقيدته، وأطلق حرية اعتناق العقيدة، وأشرف بنفسه على حوارات بين الهندوس والمسلمين والمسيحيين واليهود وغيرهم من الملل بما فى ذلك الملحدون، لقد كان هذا الحاكم المسلم من أوائل من أرسوا مبدأ علمانية الدولة وحيادها فيما يتعلق بالعقيدة، وهو ما تبناه دستور الهند بعد قرون عند الاستقلال عام 1949، حيث تضمن أغلب المبادئ التى أرساها ذلك الحاكم المسلم المستنير فى القرن السادس عشر.
وتجدر الإشارة إلى أنه كان متدينا ملتزما، إلا أنه فهم أن العقل هو ميزان الحكم الذى يسوس به رعاياه، لذلك كتب عنه التاريخ أنه ألغى الجزية على غير المسلمين، لأنه اجتهد فى هذا الزمن البعيد ووجد أن هذا النظام لا يحقق السلام الاجتماعى لأنه يمثل تمييزا بين المواطنين، كما أنه عارض بشدة زواج الأطفال الذى كان سائدا فى ذلك الوقت.
وكانت حجته فى ذلك أن الغرض من الزواج «إنجاب الأطفال» لا يتحقق فى حالة زواج الأطفال لاستحالته، كما أنه يتسبب فى جراح وآلام لا مبرر لها للفتاة، وفى نفس الوقت انتقد بشدة ممارسات الهندوس التى لا تسمح للأرملة بالزواج بعد وفاة زوجها.
لقد وضع الإمبراطور المسلم العقل فى منزلة عالية، ونقل عنه أنه قال لأحد أتباعه المقربين: «إن اتباع العقل ورفض التقليد لا يحتاج إلى أى نقاش، لأن طريق العقل هو الذى يحدد ما هو جيد وعادل من سلوك البشر».
أى أنه كان يربط ما بين الأحكام الأخلاقية وأهمية إعمال العقل، ولا شك أن سياسة أمور المجتمع تتطلب استخدام العقل، بل إن النصوص المقدسة ذاتها تحض على ذلك وتأمر الإنسان بالتدبر، وتخاطب ذوى الألباب كى يمتلكوا القدرة على تفهم مشاكل الآخرين والتفاعل معها بقدر كبير من الاحترام والتسامح، بل إنه بدون العقل كيف يمكن أن يدرك المرء أخطاءه ويتعلم حتى لا يكررها.
من ناحية أخرى فإن العقل والتدبر يتيح للإنسان مصدرا هائلا للأمل، لأنه يقفز به فوق قبح الواقع ومآسيه إلى الأفضل الذى يرتجيه.
لقد حافظ الإمبراطور المغولى المسلم على إمبراطوريته الشاسعة رغم كل الخلافات التى كانت تموج فيها، بل تمكن من تحقيق تقدم اقتصادى ومعمارى فضلا على انتصارات عسكرية باهرة، وحافظ على الإسلام، وأضاف إلى أتباعه الآلاف، حين استخدم النعمة التى أنعم بها الله على الإنسان، وهى العقل.
وأظن أن مصر فى هذه اللحظة الفارقة تحتاج إلى هذا الدواء، وأرجو أن يكون الرئيس مرسى قد حمل معه بعض صناديق من هذا النوع الذى لا شك فى نجاعته.. كلنا نحتاج هذا الدواء ولو كان من الهند.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة