صدقونى هناك أناس عندهم استعداد، بل رغبة فى الاقتناع بأن السفينة تجرى على اليابسة، مخالفين أبسط قواعد المنطق.
وأؤكد أن هؤلاء الناس عندهم الرغبة مع الاستعداد لتصديق ما لا يصدق. فإن صدمتهم بفساد تصورهم، انتبهوا، ثم سرعان ما يعودون إلى منطقهم الأعوج.
تأمل معى هذا الحوار بين سيدنا إبراهيم الفتى الثائر عليه السلام وقومه الذين خالفوا أبسط قواعد المنطق بعبادتهم لأصنام صنعتها أيديهم، فأراد أن يصدم منطقهم الأعوج بتكسير آلهتهم المزعومة فماذا كان رد فعلهم:
(قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ *قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ *فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ* ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاء يَنطِقُونَ* قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ *أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ).
هذا النموذج يا عزيزى يقابلك فى مجالسك العامة، ويطل عليك من الفضائيات، قوم كما يقول المثل عليهم "يصرون الفيل فى المنديل".
تتذكر معهم الحوار الضاحك بين "توفيق الدقن" وهو يصفع "عبد المنعم إبراهيم" ليقر ويعترف أن داخل العلبة الصغيرة "فيل".
الحرب على العقول قائمة على قدم وساق، ليقر الناس أن الفيل فى المنديل.
وهناك عقول عندها الاستعداد والرغبة فى التصديق. حسب وصف عالم الذرة الراحل "على مصطفى مشرفة" فى كتابه "العلم والحياة": العقول الراجحة تزن الأمور بميزان الحقيقة، فلا تجزم إلا بعد التثبت، ولا تقطع بأمر إلا بعد الاستقصاء، فإن لم تكن الأدلة كافية، فالحكم معلق، والأمر لا يزال قيد البحث. أما العقول الطفيفة، فتتسرع فى الحكم، أو تعتمد على أوهى الأدلة، وتبنى النتائج على غير مقدمات... وما أخطر ذلك المجتمع، وما أفتكه بالنفس والغير على حد سواء.
نعم خطر كبير أن يستدرج المجتمع بالعقول الطفيفة – حسب وصف مشرفة – إلى دائرة مفرغة من الجدل بقيادة شهود الزور.
نعم: الذى يقود هذه العقول نفس الوجوه الإعلامية التى وصفت بالأمس القريب منذ عامين ثوار مصر المنتفضين على حكم مبارك بأقذع الأوصاف وروجت عنهم أسخف الأكاذيب، ولولا إرادة الله النافذة فى إنجاح الثورة لنجح هؤلاء المرجفون فى إفشالها.
نفس شهود الزور اليوم، يعتبرون مثيرى الشغب ومشعلى الحرائق وقاطعى الطرق من الثوار، والويل لمن ينكر أن "الفيل فى المنديل".
فإخلاء ميدان التحرير من البلطجية والمتحرشين اعتداء على حق الاعتصام السلمى!
والخطورة الحقيقية أن شهود الزور ومن يقودهم من خلف الستار، يخططون لجر الشعب لدائرة الجدل، والتحلق حول الأخبار المثيرة، ليجتذبوا جمهوراً يحب أخبار الإثارة تماماً كالأطفال والمراهقين المحبين لأفلام (الإكشن) فهم يطربون جداً لسماع ومتابعة خبر اعتداء أحد المواطنين على وزير التموين، وينصرفون تماماً ولا يهتمون بإنجازاته.
ويهرعون لتصديق أى صورة مفبركة يعرضها شهود الزور أو صورة تعكس نصف الحقيقة، بالأمس تحلقوا حول صورة حمادة المسحول واختفى بعد أن أدى الغرض، لكن جدول الإثارة قائم والصور ستتكرر ولن نتعلم الدرس وسنلدغ من نفس الجحر كل يوم طالما شهود الزور يستخفون العقول الطفيفة.
يجب أن ينتبه أصحاب العقول الراجحة لهذا المخطط، والعمل بكل السبل لإفشاله قبل أن يقودنا إلى الفشل.
وأخيراً اعتذر للإمام الشافعى على رفع "لا" من شعره
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجرى على اليبس
