شاهدت اليوم كما شاهد معى الملايين، بداية صناعة تاريخ جديد، خلق حكومات، ونهاية أمم، فبزيارة أوباما إلى إسرائيل، وبكلمات التزلف اليهودى المعهودة، والمجاملة الأمريكية كانت كلمات رئيس إسرائيل، والرئيس الأمريكى على أرض مطار بن جورين، تلك الأرض التى سلبت، وما زالت، شاهدت الرئيس الأمريكى وهو يعلن ركوع الولايات المتحدة الأمريكية دعما لإبراهيم وسارة، وسمعته وهو يتحدث عن الحق اليهودى الأزلى فى الأرض المقدسة تلك الأرض التى جبنوا عن أن يدخلوها تحت دعاوى الجبارين، ولم يصدقوا حطة، اليوم حطوا عليها من عل بعد دعم العالم لهم، واليوم أعلنت أكبر قوة فى التاريخ، أنها تقف مع العدوان والسلب بكل السبل والطرق التى تحفظ الأمن والوطن المسلوب حقا للسارق والظالم.
أجل أنت كما قيل عنك، أرض المتناقضات، الأضداد، وكذلك أرض الديكتاتوريات
تقفين اليوم، وكأن الأمر لا يعنيك فى شىء، وأنت تعلمين وتطمئنين أنه فى الغد سنموت شرفا ودفاعا عن الحق، وسيذهب أبناؤنا فى طوابير الحرب بكل فخر، كى يستعيدوا كرامة هذا الوطن من براثن الحاكم والمحكوم، فمن الحاكم ومن المحكوم؟
ذهب أوباما اليوم ليؤكد على إسرائيلية ويهودية القدس، وسيذهب غدا ليقابل رئيس اللادولة واللاشىء ليزيد الأمر توكيدا على حل الدولتين، لكى نشهد دولة جديدة، وهى تنهى وليمتها ووجبتها الشهية، القدس وفلسطين.
وبعيدا عن هتافات الإخوان التى كانت أول ما سمعته فى أول يوم دخلت فيه الجامعة، خيبر خيبر يايهود جيش محمد سوف يعود، والتى تساءلت من يومها وما زلت أتساءل، هل اليهود الذين هتف الإخوان ضدهم، كانوا فى المدرج أم حسبوا أن الأستاذ الجامعى، أو حتى قائد الحرس أعوانا لليهود، وحراسا لمصالحهم عموما لم أجد من يجيب عن السؤال، وتصورت أن يعود الهتاف فى الميدان، فما وجدت إلا التكبير والتهليل، بعد هدم منصة الشباب الثوار، والدعاوى لحرق بورسعيد ومدن القناة، ونعرات وزعيق حازم أبو إسماعيل، فى مشروع لم أجد فيه إلا قذف أبو إسلام ولا يوجد فى المشروع أى إسلام حتى فى أحلام النيام.
كتبت مقالا من قبل، تحدثت فيه للرئيس مباشرة، وكنت واضحا فى تقييمى لخطاباته، وأن هذه الخطابات لا بد أن تكتب على أيدى محترفين، وخصوصا تلك التى يوجهها والعالم كله يستمع إليها، ذهب الرئيس مرسى للهند قبل زيارة أوباما لإسرائيل كى يرسل رسالة للأمريكان أن مصر سوف تسعى لتحالفات جديدة تضمن لها البقاء فى لعبة الأمم، والحفاظ على التوازن فى الحلفاء، بما يصنع مظلة جيدة للحكم الإخوانى، الذى بدأت أمريكا فى التخلى عنه، بعد دعم دام أكثر من ستين عاما، لقد نسى الحكم فى مصر خبرات الماضى، وتجاهل حقيقة العدد الكبير الموجود فى مصر منذ زمن بعيد من عملاء أجهزة المخابرات الأجنبية الذين يقفون اليوم على حقيقة موقف الإخوان فى الشارع المصرى، ويضعون كل الحقائق فى مكانها ويرسمون الصورة الحقيقة لما يحدث، ولن يخدعهم كبريتيد الهيدروجين الذى تطلقه الجماعة بين الحين والآخر من تصريحات العريان، والرئاسة، وخطاباتها المشوهة التى لا تكفى حتى لحفظ الماء فى الوجه.
ولقد أعطى المتنبى الجديد، يوسف زيدان أو كما أحب أن أسميه يوسف عزازيل، نسبة إلى روايته الرائعة عزازيل، للرئيس درسا فى العلم، بتصحيح الأخطاء التى وردت فى خطابه وهو يتسلم جائزته التقديرية الأولى فى باكستان، درسا قاسيا فى حقيقة العلم والعلماء، أخرج فيه معاونى الرئيس من دائرة العلم، إلى دائرة الخزعبلات، ومدعى الثقافة.
الكارثة التى لا يعلمها أحد، بما فيهم الرئيس أن أوباما فى أحد تصريحاته أعلن أن الرئيس مرسى لا يصلح أن يكون رئيسا لدولة هامة ومحورية مثل مصر، وفى نفس التوقيت، يخرج علينا الرئيس بمثل هذا الخطاب، ليؤكد ظنون أوباما، ويؤكد للعالم أن مصر بلا رئيس حقيقى وبلا زعامة.
يا سيادة الرئيس، من دون سيادة لمصر فلا رئاسة ولا سيادة لك، ولن تحظى مصر بالسيادة إلا إذا أصبح المصريون أسيادا فى مصرهم، وأصبح المصريون أحرارا فيه، وما يحدث اليوم من الزيف والخداع السياسى، لن يخلق إلا مزيدا من الصراع، وأيضا مزيدا من الإصرار، وإن لم تكن تصدقنى، فلك خير مثال تلك الفتاة المصرية التى ألقت قصيدة بعنوان حس، إنها دون الرابعة عشر، مراهقة حملت على أكتافها هموم هذا الوطن أكثر منك ومن رجالك، وأحسست به وبمشاكله بوعى فطرى، ويوما ما ستكون هذه الطفلة أما لزعيم مصر القادم الذى سيدمر خزعبلات التمكين، ويعيد مصر إلى مكانها الطبيعى.
إن محاولات بيع أصول مصر، ورهن تاريخها، والتفريط فى أسس الأمن القومى، والتفاوض والتنازل فى الأساسيات، والواجبات من أجل الحفاظ على الحكم لن تسبب شيئا إلا فقدانه.
لقد جئت إلينا بمشروع الإسلام، وبحلم الخلافة، وبعودة الدين، لأرض لم يفارقها الدين يوما ما، وأنت نفسك تحمل هذا الدين ممثلا فى القرآن الذى تدعى حفظه، والله أعلم بما تحفظ، وأعلم بما يحفظ.
وأختم مقالى بكلمات جمال حمدان الرائعة عساها تصل وتحرك أصناما، كى يفيقوا من جمودهم ويروا حقيقة ما بين أيديهم وهكذا دائما ما تكون كلمة الحق.
لن تصبح مصر قط دولة حرة قوية عزيزة متقدمة يسكنها شعب أبى كريم متطور إلا بعد أن تصفى وجود العدو الإسرائيلى من كل فلسطين، فبهذا، وبه وحده، تنتقم لنفسها من كل سلبيات تاريخها وعار حاضرها، وإلى أن تحقق ذلك فستظل دولة مغلوبة مكسورة راكعة فى حالة انعدام وزن سياسى تتذبذب بين الانحدار والانزلاق التاريخى، دولة كما يصمها البعض شاخت، وأصبحت من مخلفات التاريخ تترانح وتنزاح بالتدريج خارج التاريخ، وذلك نحن نثق – لن يكون.
أجل لن يكون، ولن نفقد الثقة فيها مهما فعلت، ومهما أخفقت، ولن نركع لا نحن ولا أبناؤنا حتى ولو قتلتمونا جميعا، بالقمح تارة، وبالسولار أخرى، وبالفتنة ثالثة، ولن يفلح أبو إسماعيل، فغدا ينقلب السحر على الساحر، ويصبح صديق اليوم عدو الغد.
إن مشروع الأحزان الذى دعا إليه الإخوان، لن يكون إلا سببا فى تعليم الناس حقيقة تاريخية أصيلة أن الظلم له وظيفة، ووظيفته الوحيدة هى أن يدرك الناس مدى قساوة الظلم، فيطمحون ويسعون للعدالة، والتى أثق أنها ستقلب الكرسى، وتعيد المساجين إلى زنازينهم.
