المصريون اعتادوا على مشاهد الدم بعد امتلاك كل طرف مبررات للاقتتال.. غياب العدالة والقصاص دفع الشباب للتخلى عن فلسفته الدفاعية والشحن المتبادل زاد من حدة المواجهات.. والاشتباكات تؤكد غياب دولة القانون

السبت، 23 مارس 2013 01:20 م
المصريون اعتادوا على مشاهد الدم بعد امتلاك كل طرف مبررات للاقتتال.. غياب العدالة والقصاص دفع الشباب للتخلى عن فلسفته الدفاعية والشحن المتبادل زاد من حدة المواجهات.. والاشتباكات تؤكد غياب دولة القانون أحداث المقطم
كتبت صفاء عاشور

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاهد الاقتتال بين المصريين، باتت أمر عاديا، تتناقله وسائل الأعلام فى ملل، ويتلقاه المواطن فى فتور، فبعد عامين من إخفاق ثورة يناير فى تحقيق أهدافها الأساسية، المتمثلة فى عيش حرية كرامة إنسانية، أصبح الغضب والشحن، أمور تشعل المواجهات بين المصريين، وإذا كانت أحداث محمد محمود، ومجلس الوزراء، هى مواجهات بين أجهزة الأمن، والشباب الأعزل، فإن موقعة الاتحادية، ومحاصرة مكتب الإرشاد، شهدتا تطورا شديد الخطورة فى طريقة المصريين فى الاحتجاج، حيث بدأ المواطن العادى يقوم بدور الجلاد والقاضى، يحتجز من يعارضه فى الرأى، ويستحل تعذيبه، وربما قتله، فى ظل غياب كامل لمؤسسات الدولة، وعجز الشرطة عن السيطرة على الانفلات الأمنى الذى يزداد فى الشارع يوما بعد آخر.

فلسفة دفاعية

وبرغم سقوط مئات الشهداء خلال جمعة الغضب، إلا أن الثوار كانوا ينتهجون فى ذلك اليوم الفلسفة الدفاعية، لصد هجوم قوات الداخلية على المتظاهرين، ولمواجهة الرصاص الحى، الذى تم رصده، وفقا لعشرات من مقاطع الفيديو، وتقارير الطب الشرعى، ومع كل ما سبق، فقد تعمد الثوار حماية أمناء الشرطة يومها، وجنود الأمن المركزى من غضب الشارع المصرى، وكانوا يساعدونهم فى إخفاء هويتهم، وخلع ملابسهم الميرى، كلما كانت قوة الشرطة تضعف، وتفشل فى السيطرة على الثورة الشعبية.

وخلال الثمانية عشر يوما، التى سبقت سقوط نظام مبارك، كان ميدان التحرير مثالا رائعا لمجتمع راق، يقوم على التعاون والمقاومة والكفاية، وكان من يتم القبض عليه من بلطجية، يحاولون اختراق الميدان، يتم تقييده، ويسلم إلى قوات الجيش، ولم نسمع خلال تلك الأيام عن أى حادثة فتك بأحد البلطجية، حتى إن البلطجية الذين كان يستخدمهم النظام البائد فى الانتخابات والأحداث الأخرى، تعاطفوا مع الثورة، وانضموا لصفوف المطالبين بإسقاط النظام.

وكانت موقعة الجمل، أولى مواجهات عنف حقيقية، بين بلطجية مستأجرين بهدف إفشال اعتصام الميدان، ووأد الثورة، وبين الثوار، الذين كانوا يدافعون عن ميدان التحرير، وكأنه أصبح رمزية لوطن مثالى، يستحق الموت من أجله، وقد سبق موقعة الجمل حالة من الشحن الشديدة بين المصريين، قادها عدد من قيادات الحزب الوطنى، وزاده الخطاب العاطفى للرئيس المخلوع، محمد حسنى مبارك، حدة، ورغم المشاحنات التى كانت تنشب بين المتعاطفين مع النظام، والكارهين له، إلا أن تلك المشاحنات لم تصل إلى حد استخدام العنف بين الطرفين، فى حين جاءت موقعة الجمل لتغير كل ذلك، وإعادة التعاطف لمعتصمى الميدان.

عيون الحرية

وجاء حادث مسرح البلون، ليعلن ظهور الطرف الثالث، لأول مرة على مسرح أحداث الثورة، حيث تم الاعتداء على عدد من أهالى الشهداء، خلال أقامة حفل لتكريمهم، وقد تبع ذلك اعتصام مفتوح لأهالى الشهداء، فى ميدان التحرير، وبعد أن قامت قوات الداخلية بمهاجمته، أتى الشباب الثورى مرة أخرى، للدفاع عن الميدان، فكانت موقعة محمد محمود، التى بالرغم مما شهدته من فقد عشرات الشباب من عيونهم، وإصابة جنود من الأمن المركزى، إلا أنها شهدت تعاطفا، من قبل قطاعات من الشعب لثلاث أسباب.

كان أولها عدم تفعيل مطالب الثورة، فى تطهير قطاعات الداخلية، وتغير سياسة التعامل الأمنى مع المواطن، ثانيها دفاع الشباب عن أهالى الشهداء، والمصابين، الذين لم يحقق القصاص لهم بعد، أما السبب الثالث للتعاطف مع شباب محمد محمود، فكان استخدام الشباب للأساليب الدفاعية فى المواجهة، فقد كانوا يستخدمون المولوتوف لصد وابل الرصاص الحى، من قبل رجال الداخلية، وكانوا يقومون بإعادة إلقاء قنابل الغاز المسيل للدموع على قوات الداخلية مرة، والتى كانت تلقى على المتظاهرين بشراسة، وتتسبب فى وفيات بسبب الاختناقات، ولم يخل محمد محمود من مشاهد نبيلة، ظهر فيها الثوار يساعدون العجائز، ويحمون الأطفال والنساء من الاشتباكات، وفى المقابل كان "قناص العيون" أكبر دليل لإدانة وزارة الداخلية وقتها.

وزاد عدد الموجهات العنيفة، بين المتظاهرين وقوات الداخلية، والشرطة العسكرية، خلال أحداث مجلس الوزراء، وصاحب ذلك مشهد لا يمحى من الذاكرة، للفتاة التى تم تعريتها، ثم محمد محمود الأولى والثانية، واحتجاجات الألتراس الأهلى ضد مقتل 74 من أفرادهم، والعديد من المشاهد الاحتجاجية الأخرى، التى غلب عليها ضبط النفس من قبل الثوار واستخدام الوسائل الدفاعية، فى حالة بدء الهجوم من قبل الداخلية، وقد تزامن ذلك مع تبرئة عشرات الضباط المتورطين فى قتل المتظاهرين، خلال أحداث جمعة الغضب، وما تلاها، وتكررت كلمة الطرف الثالث، التى تعد الشماعة التى علق عليها فشل ضبط الجناة الحقيقيين.

غياب العدالة

وقد لعب وصول الإسلاميين إلى الحكم، دورا كبيرا فى تغير مسار الغضب الشعبى، ليتحول من الأجهزة القمعية والسلطوية، إلى جماعات إسلامية، تملك الأغلبية فى الشارع، كما تؤكد الصناديق، ولكنها تعجز عن تحقيق التهدئة، والمصالحة الوطنية، مما أشعل المواجهات، بين أفراد من التيارات المدنية والثوار، وافرد من المنتمين لتيار الإسلام السياسى، وبدأ تبادل الاتهامات، فهذا كافر علمانى، وهذا لم يشارك فى الثورة، وليس له حق جنى ثمارها.

وعند محاصرة قصر الاتحادية، بدأ الشحن بين أطراف التيارات المعارضة والمؤيدة للرئيس، الأمر الذى نتج عنه مشاهد احتجاز أفراد من تيار الإسلام السياسى، لعدد من معتصمى الاتحادية، ليؤكد غياب تام لسيادة الدولة، والقانون، وغياب أصوات العقلاء، التى تسعى للتهدئة، وتمنع حربا أهلية، باتت وشيكة، وقد تزامن ذلك مع تصريحات قادة تيار الإسلام السياسى، التى لم تراع فيها الصالح الوطنى، بقدر ما تحاول إثبات وضعهم الجديد، فأصبح من كان يتعرض للتعذيب والقمع داخل السجون وأقسام الشرطة، يفتى بجواز تطبيق حد الحرابة على معارضى الرئيس المنتخب، ويتندرون بمن يتعرضن للتحرش من الناشطات، أثناء ذلك، قائلين "إيه اللى وداها التحرير"، وقد تزامن ذلك مع بداية تطبيق المواطنين للقانون بأيديهم، وقتل من يهددون حياتهم من بلطجية، والتمثيل بجثثهم، فى مشهد لم نألفه على المجتمع المصرى.

فى الجمعة الماضية أعلنت التيارات المختلفة، محاصرة مقر مكتب الإرشاد، لاسترجاع حقوق النشطاء، وتعرض لهم أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، أثناء احتجاجهم خارج مقر مكتب الإرشاد، وقد كان مشهد صفع إحدى النشطات، من قبل فرد ملتحى تابع للجماعة، مشهد استفزازى للشباب الثورى، فكانت المواجهات الدامية، التى شهدتها أحداث أول أمس، فتم سحل عدد من أفراد جماعة الإخوان المسلمين، وتم تعذيب وضرب آخرين، وتخلى الشباب الثورى عن فلسفته الدفاعية، واستحل دماء الإخوان، ونصبوا أنفسهم جلادين، تماما كما فعلت جماعة الإخوان عند الاتحادية، وظل مشهد جيكا والجندى والحسينى أبو ضيف، وعشرات من الشهداء الذين سقطوا فى الإحداث المختلفة، يخيم على الغاضبين بمنطقة المقطم، وكلما حاول أحد العقلاء التذكير بسلمية الثورة، ذكّرهم الغاضبون بالعدالة المفقودة، والقصاص الغائب.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة