إبراهيم عبد المجيد

الوطن حالات.. الإسكندرية فى سماء الوطن

الجمعة، 22 مارس 2013 06:59 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هكذا جعل الفنان التشكيلى الكبير ثروت البحر عنوان معرضه الجميل المقام بقاعة صلاح طاهر فى الأوبرا. ثروت البحر تاريخ رائع من الفن وليس غريبا وهو المثقف الكبير الذى كان يكتب الشعر يوما ما فى شبابه، وكتب فى النقد الأدبى أن يبحر وسط الثورة، فأقام هذا المعرض الذى تحتفى لوحاته فيه بأفكار الثورة وتجلياتها وبالثوار، وتضع الثورة فى قلب التاريخ المصرى منذ الفراعنة حتى الدولة الحديثة.. فمن لوحة تجسد الثوار هرما تكون قمته شاهدا على الأصالة القديمة إلى لوحة تضع ميدان التحرير لافتة تحت كلمات خالدة من الزعيم مصطفى كامل إلى لوحة تمزج بين صور فوتوغرافية لأعلام عظام على طول العصر الحديث فى شتى مجالات الحياة وتحتهم تمثال نهضة مصر أيقونة الاستقلال الوطنى وأسفل الصورة مخلوقات لا شكل لها ولا تتعرف عليها، جعلت النقاب على وجهها بينها وبين العالم الذى يحلق عاليا.. إلى لوحة ساخرة عن شرعية الصندوق، الذى جواره زجاجتا زيت وكيس سكر وعلى جانبه يد ملونة تصافح أخرى على علم أعلاه USAid أى مساعدات أمريكية فى الوقت الذى تبدو فيه ورقة الرأى معلقة أعلى فتحة الصندوق كأنها مرهونة بهذا كله إلى لوحة بها وجه لشخص متجهم تنطلق لحيته أمامه وشعاره: اقتل ثائرا تدخل الجنة. بينما أمامه مصباح يتدلى من ميدان التحرير الذى صار كأنه «دويل» المصباح ومصدر طاقته، وداخل المصباح مخ بشرى يضىء بشعارات العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية..إننى أتحدث هنا عما تحمله اللوحات من رسائل أما قوة اللوحات وقدرة الفنان الفائقة على المزج بين أكثر من أسلوب فى تكوين اللوحة وتبسيطها رغم ما خلفها من مجهود وعمل، فهذا أمر ليس غريبا على ثروت البحر ابن الإسكندرية وواحد من أكبر فنانيها نهل من تاريخها فى الحرية والعدالة والتسامح وعاش منذ الستينيات غير بعيد عما يحدث فى الوطن من انتصارات وكبوات.
البهجة
قضيت مع معرض الفنان الكبير ثروت البحر نهارى أتنقل بين دورى قاعة صلاح طاهر، وقضيت المساء مع فنان سكندرى كبير آخر هو الفنان مصطفى عبدالوهاب فى معرضه بقاعة «أوان» بشارع هدى شعراوى فى نص البلد. لم تفارقنى رايات معرض ثروت فى تكثيف حالة الثورة لونا وصورة وجمالا والعلو بها. لكن انتقلت إلى بهجة أخرى.. بهجة الألوان واقتحامها وجعلها مثل الموسيقى بناء للجمال المطلق والمشاعر الفطرية فى فضاء اللوحة.. لا يفارق ذلك الفنان الكبير مصطفى عبدالوهاب فى تاريخه الفنى الكبير أبدا.. ومصطفى عبدالوهاب من فنانى التجريد أيضا وفى معرضه هذا صار الأحمر والأزرق قاسما مشتركا فى خلفية لوحاته التى تتعانق فيها الألوان بدقة وتتباعد وتتراشق، وفى كل الحالات تكثف تجليات من الجمال وتتوزع بينها مشاعرك وتأملاتك. ومصطفى عبدالوهاب لديه لوحات لا تزيد على عشرة سنتيمترات وأحيانا خمسة جوار لوحاته الكبيرة، يستخدم فيها طبعا النظارة المعظمة ويكثف فيها المشاعر المنطلقة التى تشملك بمجرد التأمل العميق وتحتويك رغم دقتها وصغر حجم فضائها.. لكن الأهم أيضا أن مصطفى عبدالوهاب اختار هذه المرة لوحات مربعة الأضلاع، وهذا يعرف الفنانون أنه يشكل تحديا فى الإبداع.. فى المعرض سألته فنانة شابة هل هذا اللون الأبيض الشفاف من الدانتيلا، فقال لها إنه لون زيتى أجعله كالدانتيلا.. أصنع به الشفافية التى ترينها.. وأبدت الفنانة الشابة إعجابها بقدرته على النحو الذى يخدعنا إلى هذا الحد.. والذى لا يعرفه الكثيرون عن الفنان الكبير أنه منذ سبع سنوات أو أكثر أصيب بجلطة أعجزت ذراعه الأيمن، وحتى الآن لكنه استطاع بذراعه الأيسر أن يواصل رحلته فى استكناه أسرار اللون والجمال مستخدما بيده اليسرى ريشته وتحكمه فى كل أدوات فنه من زيت وأكريلك وتوال وأخشاب.. كل شىء معجزة حققها الفنان الكبير لنفسه ولفنه ولنا.
دمت لنا ياداوستاشى
هذا فنان سكندرى كبير آخر هو عصمت داوستاشى.. نسيج وحده فى الإسكندرية. يرسم ويقوم بالنحت ويكتب الرواية والدراسات التاريخية فى الفن. لقد بلغ الأسبوع الماضى سبعين سنة. يالها من رحلة عظيمة. جوار إبداعه لا يتوقف عن اقتناء اللوحات وعن أرشفة المقالات والدراسات. حالة معجزة فى محاولتها الإمساك بالحياة كلها بقدر ما يستطيع. عشرات المعارض المحلية والعالمية شارك فيها عصمت داوستاشى. طبعا مثل ثروت ومصطفى، ولم يشغله فنه أبدا عن المشاركة فى كل جوانب الحياة الثقافية. يستحق عصمت داوستاشى دراسات ودراسات فى كل ما أنجز وليس فى الفن فقط. وهو أيضا ابن الإسكندرية الذى مثل ثروت ومصطفى أقواس قزح فوق الأفق. تحية للفنان الكبير فى عيد مولده.
جنون حسن فداوى الجميل
هذا أيضا فنان سكندرى من جيل لاحق ومن تلامذة مصطفى عبدالوهاب، أمضى وقتا طويلا فى أمريكا وعاد ليقوم بالتدريس فى كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية.. وأنا هناك هذا الأسبوع لليلة واحدة صحبته إلى الكلية أشاهد معرضا له فيها.. أعرفه من رسومه البارعة فى الصحافة. ومن معرض سابق له فى ساقية الصاوى.. يحملك عند الحديث إلى جنون الفنان البكر. كأنه يكتشف الدنيا لأول مرة ويلقى لك بثقافته فى الأديان والأساطير كأنها شىء عادى، وتنظر إلى إبداعه مندهشا من الجرأة فى الخيال واستخدام كل أدوات الرسم من القلم الرصاص إلى الزيت وغيره فى لوحة واحدة. فى معرضه تتجلى الحارة المصرية يحرسها آلهة أسطورية وتفاحة آدم وتجلياتها منذ الخليقة حتى التفاحة الأمريكية الأخيرة. آبل ماكنتوش التى أغرت العالم كله وأخذته فى حضنها. ويقول لك لا تزال هناك تفاحة لم تظهر بعد.
سيسألنى القارئ ما بال الإسكندرية اليوم تحتل المقال كله، فأقول هناك فنانون عظام آخرون من أجيال متعاقبة مثل أحمد شيحة الفنان الكبير وفاروق وهبة الفنان الكبير أيضا وعلى عاشور من جيل لاحق وسحر ضرغام من جيل لاحق أيضا وغيرهم وغيرهم.. ولم أقصد أن أكتب عن هؤلاء معا، لكن شاء الله أن يمنحنى هذا الوجود السكندرى الفائق للمحلية والمصرية فى أسبوع واحد.. وبالمناسبة لم يحصل فنان واحد من الفنانين الكبار هؤلاء على جائزة واحدة من الدولة رغم حصولهم على جوائز عالمية ورغم إسهامهم الكبير على مدى العمر فى العمل الثقافى والفنى. ورغم إدراج أسماء بعضهم فى موسوعات عالمية.. وأخص بالذكر هؤلاء الكبار ثروت ومصطفى وعصمت وشيحة ووهبة على الأقل.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة