مهما كانت الأسباب التى من أجلها كان عيد الأم، إلا أن الأم فى حد ذاتها شعور جميل يستحق بجدارة بأن يكون لها عيد يحتفل الناس به، يستحق وبقوة أن يكون لها يوم يقف كل إنسان مع نفسه ليجدد فى روحه دماء حبه لامه.
إن أغلى ما فى الحياة الحب ونبع الحب فى الوجود ينبعث من قلوب الأمهات، فى يوم 21 مارس من كل عام نحتفل بعيد الأم وذلك تمجيدا لرسالتها واعترافا بفضلها ووفاء بحقها، إن تمجيدنا للأم تمجيدا لما جاء فى الأديان السماوية لأن لها أعمق الأثر فى المجتمع فى تكوينه وتوجيهه فهى أول من يأخذ منها الطفل غذاءه البدنى والنفسى والروحى، وهى أول من يفتح أمامه طريق الحياة ويبعث فيه أمل المستقبل، لأن الأم هى الحب، وهى الشفقة، هى الإخلاص وهى التضحية.
إن الإنسان أى إنسان هو بعض من تكوين أمه، منها تكون لا فى الجسد والمادة وحدها بل وفى العاطفة أيضا، وإذا كان الإنسان اجتماعيا بفطرته، ومدنيا بطبيعته فإن أول انتماء ينتمى إليه المولود هو الانتماء إلى أمه فهى المرجع بالنسبة إليه والمأوى لجسده وروحه، قبل أن تقوم بينه وبين الآخرين أية علاقة وأية روابط للانتماء، فإذا ما تقدم على درب حياته وجد أمه راعية فى الأسرة.
وتحت مظلة هذه الرعاية يتحقق للطفل انتماء أوسع من دائرة الانتماء إلى الأسرة التى هى اللبنة الأولى والأساسية فى المجتمع البشرى، فإذا ما خرج الإنسان من دائرة الأسرة إلى الحياة العامة ظلت فطرته السليمة تدرك أن الخيوط التى تربط بينه وبين أمه هى أمتن الخيوط، وأن العواطف التى تشده إلى أمه هى أرقى العواطف، فيظل انتمائه إلى أمه هو الانتماء الأول بين كل درجات الانتماء.
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحبتى، قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك"، فإنه بهذا يشير من قريب ومن بعيد إلى حنان الأم وفضلها الأشمل والأعم من فضل الوالد.
إن فى أعماق كل منا حب دفين لا يستطيع أن يعبر عنه تجاه هذا الحب الصادق الأصيل، حب من الذات الإلهية "حب الأم" لأبنائها فهى تحب بلا غاية، وبلا ثمن، وبلا مقابل، تشقى وتتعذب وتتألم كثيرا من أجل أبنائها، ويكفيها من هذا المشوار الطويل فى هذه الحياة القاسية أن ترى البسمة على شفاه أولادها وأن تراهم سعداء أو عظماء ومهما كبر الأطفال فإنهم فى عيون أمهاتهم ما زالوا أطفالا فى حاجة إلى لمسة حنان من يدها.
ولقد كرمت جميع الأديان السماوية الأم، وخاصة الدين الإسلامى الذى جعل عيدها فى طاعتها وتكريمها فى إرضائها وليس بالهدايا والاحتفالات، ولكن بالبر المتواصل طوال حياتها وبعد مماتها إذ أوصانا بها الله تعالى فى كتابه الكريم برا، وطاعة، ورعاية، وقولا كريما، ووضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مكانة الصدارة. وأكد ذلك ثلاث مرات قبل وصايته بالأب، كل عام وكل أم بخير وصحة وعافيـة.
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة