لمسة يدها دواء وشفاء، نظرة عينيها رحمة وستر وغطاء، ابتسامة رضاها وعد بالاطمئنان فى الدنيا والآخرة، ضمة صدرها خير من الدنيا وما فيها، فى قلبها رحابة، وفى عتابها محبة، وعلى جبينها فيض من رحمة الرحمن، هى يد الله الحانية على الملكوت، تنطق فتسمع الملائكة، تطلب فتجاب، وتبكى... فترق لها السماوات والأرض، إن أردت أن تعرف كيف يكون الخالق رحيما بعباده، فاحص عدد الأمهات فى العالم لتعلم أنه عادل وغفور وبعباده رفيق.
هى المبتدأ والخبر، هى الحب الذى لا تعكره شائبة، هى الملجأ والملاذ والغوث، هى فرحة السكينة، وروعة الاستسلام، هى أغنية القلب الأبدية، تدندنها فتستكين جوارحك، وتستريح أنفاسك، وتأمن من كل شر.
الحنين إليها جبر وليس اختيار، والبكاء بين يديها فريضة لا يقطعها إلا عاص أو متجبر، هى الأم وحدها، لا ينازعها فى القلوب منازع، ولا يقوى كائن ما كان أن يحل محلها، كل شىء فى "الأم" حقيقى والعالم من دونها محض مجاز.
"يا بن قلبى" كلمة تقولها الأمهات لأبنائهن لا يقصدن بها أن يصنعن صورة شعرية خلابة، ولا جملة بلاغية مؤثرة، يشعرن بها واقعا، ويمارسنها فى كل تفاصيل الحياة، تختار الأم القلب لتنسب إليه أبنائها، ولا يفرق المصريون كثيرا بين القلب والعقل والروح، فمادام أحدهما مطمئنا فالجميع بخير، والابن عند الأم المصرية البسيطة العفوية هو الميراث والثروة والأهل والأحباب، هو قلبها يمشى على الأرض، تود أن تحمله على كتفيها أو بين ضلوعها لتحميه من شرور الدنيا القاسية، تود أن تتحوطه بجسدها لتقيه من كل شىء يؤذيه، أملها ألا يصيبه مكروه، وألا يراه عدو، تريد أن تحرسه ليلا ونهارا، وألا يفارقها مهما كانت الأسباب، أحبابه أحبابها، وخصومه أعدائها الألداء، تقول "من يعطى ابنى تمرة تنزل حلاوتها فى فمى" وتقول "اللى يرش ابنى بالميه أرشه بالنار".
للأمهات المصريات أناشيد وأغنيات ودعوات، لا يفوقهن فى غنائها وحلاوتها أحد، دعوات الأم تصحبك فى كل مراحل الحياة وتحاصرك بطوق من حرير فهى على الطريق هادية وفى الأزمات مرشدة وفى الوحدة مؤنسة، ينطقنها بلا قصد أو تعمد، تجدها منسابة فى أى موقف من مواقف الحياة، صاعدة من القلب، كالصلاة نقية وكالآهة صادقة، فى الصباح دعوة، فى المساء دعوة، وفى الليل دعوة، وفى الفجر دعوة، إن كنت صغيرا فلك من الدعوات والأغنيات نصيب موفور، وإن أدخلت السرور إلى قلبها فستمنحك وساما من الدعوات تعلقه على قلبك ليستريح "دنيا وآخره" وإن تعرضت لمأزق فاطمئن، ثمة من يشعر بك ويناجى ربه لأجلك، وإن تعرضت لمكروه فهناك من سيبكى عليك ليرفع الله عنك ابتلاءه.
فى الصباح توقظ الأم أبناءها بالدعاء متمنية لهم الخير كله، تسمع صوتها وهى تقول لك "يصبَِّحك ويربَّحك وبين عباده ما يفضحك" فتعرف أن فى العالم صباحا حقيقيا يستحق أن تنفض عنك النوم لتراه، ولأنها تعرف أن "الأرزاق بيد الله" تقول "إلهى من الأرض يديك ومن السما يعطيك" بشرط أن "يبعد عنك العين الردية والنفس المؤذية" إن مددت يدك لتساعدها فى النهوض تقول "يقيم ضهرك ويزيد عزك" وإن قدمت لها طعاما تقول"يطعمك ما يحرمك ويفتح فى وشك السكك" وإن أعطيتها مالا تقول "يملا جيبك ويستر عيبك ويكرم شيبك" وإن أعطيتها شيئا خلاف هذا فاطمئن دعوتك حاضرة "يديك ويراضيك ويكون لك ما يكون عليك وينصرك على مين يعاديك" وقبل أن تنام تقول لك " تبات شاكر ناعم وتصبح غانم سالم" وإن لاحظ أن "الدنيا معكساك" والحظ قليل تقول "يجعل القليلة فى إيدك كتير والناشفة فى إيدك خضرة" و"يسبل عليك سترة ويديك الخير أوله وآخره"
للصغار من دعاء أمهاتهم نصيب معلوم، فلكل الأطفال دعاء واحد أثير هو: "يجعلك وش الخير ويفتح فى وشك بيبان الخير" أما إذا كان الصغير "بنت" فهى "حبيبه أمها" تدعوا لها بـ"الستر" وهو الأمنية المفضلة الأثيرة لأغلب المصرين، والستر للبنت هو الزواج، ولذلك تقول وهى تهدهدها "يارب بارك يا رب خلى أعيش وأشوفك بطرحة تولى" وتقول "يرزقك ببان حلال حاق راسه وعادم ناسه" أما الولد فتقول له "أشوفك سيد الرجال ويغلب عليك العز والمال" أو "ربنا يصلحلك الحال ويجعلك زينة الرجال" وللبنت والولد تقول "ربنا يجعلك من المسعدين ويسلط عليك الطيبين ويهدى سرك ليوم الدين" وهى ذات الدعوات التى تحتفظها الأم لتقولها لأبناء أبنائها فما "أعز من الولد" إلا "ولد الولد".
أكف الأم دائما مستعدة لأن ترفع إلى السماء بالدعاء، من كثرة ما تدعوا لأبنائها تتخيل أن أكفها خُلقت هكذا لتعانق السحاب فى كل وقت وحين، ولأن الأم لا تأمن على أبنائها من مكر الدنيا ولا غدر الناس تقول "ربنا يأتيك خير الناس وخير ما فيهم ويبعد عنك شر الناس وشر ما فيهم" ولأنها تعرف أن الحب هو أكبر الحماة وأجملهم تقول "يحبب فيك الحصى فى الأراضى، ويجعل لك فى كل سكة سلامة.فى كل خطوة سلامة وفى كل طريق قنديل" وتقول "يحبب فيك خلقه وما يشمت فيك عبده" ولا تنسى بأن تدعوا الله بأن يرزق أبنها أسباب حب الناس له فتقول "بيجعل فى حنكك سكره وفى وشك جوهرة".
كما أن لأدعية الأمهات أوقات محددة، فلها أيضا مواسم، أشهرها موسم امتحانات الأبناء، الأمهات المسحيات تقول لأبنائهن "ربنا معاك ويحافظ عليك ويجعل أيد البابا كرولس قبل إديك" والمسلمات يقلن "يرزقك حفظ النبيين وفهم المرسلين والملائكة المقربين" والأمهات المسيحيات والمسلمات يشتركن فى قول هذا الدعاء "ربنا يوقفلك ولاد الحلال ويحنن عليك المراقبين" أو "يعمى عنك المراقبين" إن لزم الأمر. وفى كل الأحوال فالدعاء بالرضا والستر والتصالح مع العالم هو خير الأدعية فيقلن "ربنا يرضى عنك ويذلل عليك ستره وغطاه" ويقلن "يحنن عليك القلوب القاسية والبحور الراسية" كما يقلن "يكفيك شر حاكم ظالم ويخلف عليك بالخلف الصالح" وإذا ما أقدم الابن على شراء شقة أو شركة أو أقدم على الزواج تقول "يجعلها قدم السعد عليك ويجعلها عتبة خضرا وندية".
لا تتوقع الأم أن يبادلها أبناؤها الحب بنفس المقدار الذى تكنه لهم، ولذلك تقول "قلبى على ولدى انفطر وقلب ولدى علىَّ حجر" وكثيرا ما تغضب من الأبناء وتدعوا "عليهم" بالشر لكنها هذه الدعوة هى الوحيدة الكاذبة لأنها تقول "أدعى على ابنى من ورا قلبى" و "أدعى على ابنى وأكره اللى يقول آمين" ومع ذلك فهى تعلم أن ابنها هو أقرب الناس إليها بدليل أنها تقول "ابن بطنى يعرف رطني" أى يعرف لغتى، ويعرف ماذا أقصد، وما أن "يتدلع" الابن على أمه ويقول إنه "مخنوق" أو "عيان" أو "متدايق" حتى تتيقن من أن فلذة كبدها محسود فتمدده على "حجرها" ثم "ترقيه" أن لم تنفع الرقية نفعت "العروسة" التى تخرم من خلالها أعين الحاسدين، الذين لا يعرفون أن للابن أم تحميه.
أيتها الأم الحنونة العطوفة الطيبة العطرة، أيتها الأم الصابرة المثابرة النقية المستبشرة، أيتها الأم الحانية التحنانة الرؤوفة الرحيمة، أيتها الأم الوفية التقية الرحيمة العظيمة، نعرف أنا نخطئ فى حقك ونصيب ونعرف أنك لا تغضبى منا إن أخطئنا، ولا تندهشين إن أصبنا، ونعرف أنك أول ابتسامة وآخر دمعة، ونعرف أنك أصل شجرتنا وآخر من يدلنا على أنفسنا فى هذا الكون الواسع فلا تحرميننا من جميل دعائك فمازلنا نتوضأ به صباح مساء.
أدعية الأمهات..يد الله على قلوب الظامئين.. ربنا يوقفلك ولاد الحلال ويطعمك ما يحرمك ويفتح فى وشك السكك.. يجعل القليلة فى إيدك كتير والناشفة فى إيدك خضرة..ويجعل لك فى كل سكة سلامة..ويحبب فيك خلقه
الخميس، 21 مارس 2013 01:21 م
دعوات الأمهات مفتوحة الطرق للسماء - صورة أرشيفية