لقد عانى الشعب طويلا كثيرا من القمع والاضطهاد والغبن والفساد حتى تاق الجميع للخلاص من البؤس والخنوع وضياع الحقوق والأحلام. لم يعد لدى الشعب أدنى أمل فى الاصلاح أو تغيير سياسات عقيمة أو التراجع عن بيع أراضى الوطن شبرا بشبر دون هوادة أو خوف على مستقبل الأجيال القادمة ، ولم تعد لدى المواطنين أى طاقة احتمال لحالة الخنوع للأعداء وطاعة سياساتهم الاستعمارية التى تسلبنا ثرواتنا وتنهب قوتنا ووحدتنا وأحلامنا.
لم يعد الشعب يقوى على احتمال عبارات الشجب والتنديد والتأييد كتعبير وحيد وهزيل عن كرامة الوطن وسلامة أراضيه وأرواح أبنائه.
لم يعد المواطن يصدق العبارات الرنانة والجمل البراقة والمواقف المصطنعة للتعبير عن ادراك القائد بمعاناة شعبه فقد أدرك عبر سنوات الصبر والمعاناة أن حاكمه لا يدرك مشاكله ولا يفهم معاناته فى البحث عن لقمة عيش وحياة كريمة.
حاول الكثير من المواطنين طيلة سنوات توصيل أصواتهم للمسئولين بوقفات احتجاجية ومظاهرات شعبية ومسيرات سلمية يحاولون فيها أن يعبروا عن رفضهم لسياسات البيع والخصخصة والفساد الحكومى ويطلبون حلول جدية مشكلات البطالة المتزايدة أو يعبرون عن احتياجهم لتوفير دخل شهرى يكفى أعباء أسرهم المطحونة، لكن الحكومات المتعاقبة لم تتجاهل فقط المشكلات الكبرى لكن حتى اتفه الأزمات اليومية للمواطن أنكرت وجودها ولم تعمل على حلها لإحساسهم أن الشعب عاجز مسلوب الإرادة لا يملك من أمره شيئا وأنه مجبر دائما أن يتقبل الفتات الذى يلقونه لهم حتى امتلأ الكوب عن آخره وفاض اليأس بالشعب من فرط الظلم والمعاناة والإحساس بفقد الكرامة يوما بعد يوم ، حتى أقدم بعض اليائسون على الانتحار أو حرق أنفسهم خلاصا من حياة بلا كرامة وبلا حقوق، وللأسف لم يدق ناقوس الخطر عند من يحكم بلدا أقدم أفراد شعبه على حرق أنفسهم خلاصا من الفقر والمعاناة لم يدرك أن الكيل قد طفح وأن التغيير أن لم يكون على يديه لصالح شعبه المطحون فسيكون ضده هو نفسه. كان بإمكانه أن يفعل القليل الذى يثلج قلوب الناس أو حتى يسكن أوجاع قلوبهم ويعطيهم شحنة وأمل وطاقة تدفعهم لتحمل مشاق الحياة عندما يشعرون أن لهم قيمة وأن الحكومة تراهم وتسمعهم وتستجيب لشكواهم لكنه تأخر وتأخر حتى أوشك الوقت على الفوات.
أصبح غضب الشعب كبركان خامد يوشك أن يفور، وطوفان التغيير بات قادما لا محالة فى ظل نظام يتكبر على معاناة شعبه ويتجاهلها فهو لم يكن يستطيع التخلى عن كبريائه وصلفه ليحقق للشعب ما يريد ويردله من الحقوق ما تأخر كثيرا ، وتصور أن الشعب سيرضى كالعادة بالفتات الذى يلقيه له فى كل مرة ، ولم يفهم أن تلك المرة ستختلف عن سابقاتها لأن الكيل قد طفح بالفعل وانكسر إناء الصبر والاحتمال.
لقد تراصت معاناة كل فرد فى الشعب الى جوار آلام الآخر حتى أصبحت معاناتهم وآلامهم جرحا غائرا يئن له الجميع فى هتاف واحد ، يسقط الطغاة والمتكبرين ، الذين عميت أبصارهم وصمت آذانهم السطوة والسلطة ليدوسوا بها على حياة وكرامة البشر.
ولأن الشعب إذا أراد استعادة الحياة وأراد استرداد الكرامة والحقوق المسلوبة فإن ذاك الحاكم مهما كانت قوته ونفوذه لن يستطيع أن يقف أمام إرادة شعب ثائر، فقد حان وقت التغيير وانتهى وقت الكلام وخفتت كل الأصوات أمام صيحات وهتافات ميادين التغيير المدوية فى كل مكان ، وللحديث بقية.
غادة عطا تكتب: الثورة ما بين حلم التغيير وظلال المؤامرة(1)
الإثنين، 18 مارس 2013 02:17 ص