أصبحت النهضة هى المطلب الذى يكثر ذكره على ألسنة العامة والخاصة من أبناء المجتمع، ولكن كيف تتحقق هذه النهضة، فبالتأكيد لن تأتى بالمصادفة، ولن تحدث بين عشية وضحاها، ولا يضمن وجودها على أرض الواقع مجرد كتابة الدساتير وسن القوانين، ولن تؤثر كثيراً الجهود الفردية المتناثرة التى لا تسمن ولا تغنى من جوع. فالنهضة تحتاج بشكل جوهرى إلى نظرة شاملة متعددة الأبعاد تأخذ فى اعتبارها العمل على خلق ثقافة جديدة للمجتمع يتبناها أبناؤه منذ نعومة أظفارهم، وهنا يكون من المهم التفكير فى صياغة منظومة جديدة لتنشئة الصغار تركز على تحرير العقل وانتاج المعرفة وإرساء قيم التعاون والعمل الجماعى واحترام الذات والإيمان بحرية الآخر وإعلاء المصلحة العامة وتقدير قيمة الوقت وتحمل المسئولية والحفاظ على الهُوية. فالصغار بهذا الشكل هم البداية الحقيقة الضامنة لوجود مواطنين مؤمنين بالأهداف العامة للمجتمع ولديهم مقومات تحقيق هذه الأهداف.
ويتطلب هذا الأمر الحاجة فى المرحلة الحالية إلى بذل الجهود فى اتجاه صياغة خطة قومية متكاملة لتنشئة للطفل المصرى على كافة المستويات، وبلا شك ستكون الأسرة والمدرسة أهم أدوات تنفيذ هذه الخطة. وهنا لن يقتصر الأمر على رفع وعى الأسرة وتدريب الآباء والأمهات على التربية السليمة، ولكن ستبرز الحاجة إلى رعاية الدولة للأسرة من حيث الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والصحية بما يوفر حياة أسرية آمنة وصحية للأبناء.
كذلك سيكون من المطلوب تطوير العملية التعليمة بالمدارس بما يتوافق مع أهداف هذه الخطة، ولن يخلو ذلك من تطوير أداء المعلم، وتطوير مضامين المناهج التعليمية للتلاميذ واتباع أفضل الطرق لتدريسها، إلى جانب الاهتمام بتحسين البيئة النفسية والمادية المحيطة بالتلاميذ بما يساعد على توفير مناخ تعليمى صحى يستوعب طاقاتهم العقلية والبدنية. وثمة فئة من الصغار ينبغى أن تمتد إليهم عين الرعاية وهم الأطفال ساكنو الشوارع أو ما يُطلق عليهم أطفال الشوارع حيث لا أسرة ولا مدرسة، وهم فى حقيقة الأمر قنابل موقوته بحاجة إلى تدخل فورى لتفادى انفجارها أمام قاطرة النهضة.
لهذا فمن الضرورى العمل على استيعاب هؤلاء البراعم وإعادة تشكيل سلوكهم وأساليب حياتهم من خلال استخدام استراتيجيات للرعاية المتكاملة لإعدادهم بشكل سليم وبما يساعد على دمجهم فى نسيج المجتمع وصياغة عقولهم من جديد. فالأطفال هم الأمل فى مستقبل أكثر إشراقاً، وإذا ما نجحت الأسرة والمدرسة والدولة فى الأدوار المنوطة بها للنهوض بالصغار سنكون أمام أساس قوى وبداية حقيقية للنهضة المصرية.
