تأخذنا الأحداث المتلاحقة التى تمر بها بلادنا إلى مشهد شديد الضبابية، فالجماعة وتنظيمها لا يبحثون الآن سوى على الالتفاف حول حكم محكمة القضاء الإدارى الأخير ومحاولة سلق قانون آخر للانتخابات، وكذلك قانون لمباشرة الحقوق السياسية وتمريرها من المجلس باطل التشكيل قليل الشعبية والمسمى مجلس الشورى لإجراء الانتخابات بسرعة، لأن الانتظار حتى فصل المحكمة الدستورية العليا فى الدعوى المنظورة أمامها يقتضى من الناحية العملية إجراء الانتخابات فى شهر سبتمبر المقبل عقب إجازة عيد الفطر المبارك، وهى مدة طويلة من وجهة نظر التنظيم، والحالة الاقتصادية لن تسمح بالاستمرار طويلاً، ويجب بأى حال من الأحوال الخلاص من الانتخابات للحصول على قرض صندوق النقد الدولى، وهو ما يتيح فى حالة إتمامه فتح الباب لمزيد من القروض، وهو ما جعل أحد القيادات الإخوانية يجزم بأن الانتخابات ستقام فى شهر مايو المقبل ودون انتظار لحكم المحكمة الدستورية، والغريب أن هذا التنظيم لم ينتهز أى فرصة أتيحت له منذ قيام ثورة 25 يناير وحتى الآن، ولديه إصرار على إضاعتها، الواحدة تلو الأخرى وبدلاً من تأدية ركعتى شكر على حكم محكمة القضاء الإدارى، والتى أتاحت للجماعة فرصة لمراجعة النفس ومحاولة إجراء مجتمعى حقيقى مع أطراف العملية السياسية من جماعات ثورية وأحزاب، للتوصل إلى توافق مجتمعى حول قضايا الوطن ومعاناة المواطنين وتقديم اعتذار عن تسعة أشهر من التخبط وعدم وضوح الرؤى وسوء الإدارة وقلة الحيلة وغياب الإرادة، نجد الإصرار على المضى قدماً فى العناد مع جميع القوى السياسية واتباع منهج الرئيس المخلوع مبارك فى معاندة الشعب والتكبر عليه واعتباره لا شىء فى نظر التنظيم، وأن الرأى المسموع والنصيحة المخلصة هى لمكتب الإرشاد وحده، حيث دائرة صنع القرار إن وجد!! إن هذا المشهد وفى ضوء حالة انفصام واضحة للرئيس عن الشعب، نجد أن جميع المواطنين يعانون وبعضهم يبكون وأعراض الاكتئاب تطارد الجميع، والكثير من المواطنين يحنون لأيام ما قبل الثورة على ما فيها، ورغم ذلك تمضى بنا الجماعة فى طريقها غير واضح المعالم لنا ولهم على السواء، ويتحدث قادة التنظيم عن مستقبل لا نرى بدايات له أو أى معالم تدل عليه، ونرى حكومة لا تختلف كثيراً عن الرئاسة فى العجز وقلة الحيلة والتخبط وغياب الخيال المبدع، ورغم كل ذلك يتحفنا الدكتور مرسى دائماً بأقواله وخطبه التى يبدو أنه يخاطب بها غيرنا أو أنها بلغة لا يستطيع أمثالنا فهمها أو معرفة الغرض منها، وكثيراً ما تكون فى مناسبات غريبة وتمضى أحداث أخرى كان لابد أن يتحدث فيها دون أن يظهر أو يقول شيئاً أو حتى يعلق على ما يجرى من أحدث، وكأن تلك الأحداث فى بلد آخر غير بلدنا، اعتقدنا جميعاً أن مصر جديدة سوف تظهر وسوف تتغير الآليات والسياسات، وسيتم رفع معاناة المواطنين وبناء دولة جديدة حديثة تليق بثورة 25 يناير، إلا أننا وبكل أسف فوجئنا باستمتاع غريب لهذا التنظيم الحاكم فى القيام بكل ما كان يقوم به النظام السابق قبل سقوطه، والعمل على تكريس هذه الآليات والسياسات والتحدث عن الاستقرار وفق المفهوم القديم، وأن تكتفى الثورة بما حققته من إزاحة لمبارك ونظامه وتمكينا لمرسى وجماعته، فالوقت بالنسبة لهم الآن هو وقت التمكين وبناء دولة وفق مفهومهم الخاص غير المعلن، الذى يلتف على الديمقراطية الحقيقية بآلياتها المتعارف عليها، والمبدأ الأساسى لهم فى سبيل ذلك هو مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، وفقاً لما قرره ميكافيللى والذى أعتقد لو أنه كان حياً الآن لغير اسم كتابه من الأمير إلى المرشد، وهم فى محاولتهم يعتقدون أنهم يقدرون على السيطرة على هذا الشعب واحتوائه بشكل أو بآخر غير مدركين طبيعة هذا الشعب، ومجرد نظرة عابرة على تاريخنا القديم سيدركون أى خطأ يرتكبون وأن هذا الشعب يصبر كثيراً ولكنه إذا قام فلن يقف أبداً، وإننى أراهن على هذا الشعب، هذا الشعب الذى يسبق الساسة والنخبة والتنظيم الحاكم، هذا الشعب هو شعب مصر ولا أدرى إلى أين تأخذنا هذه الجماعة؟!