معصوم مرزوق

الأبقار المقدسة!

الأحد، 17 مارس 2013 04:53 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تعددت الأبقار المقدسة التى ترعى فى حقول السياسة المصرية مؤخراً، إلى درجة أن تلك الأبقار قد تشابهت على الناس، وقد لا تسمح المساحة باستعراض قطيع الأبقار كله، لذا سأكتفى بجرجرة واحدة أو اثنتين كى نرى معاً ما إذا كانت تستحق كل هذا التوقير والإجلال الذى يصل إلى حد العبادة الوثنية، أم أنه يمكن ذبحها والاستفادة بلحمها وعظامها وجلدها.
وأول هذه الأبقار هى بقرة «الصندوق»، فحيثما وليت وجهك سوف تجد من يسحب هذه البقرة فى أسواق الرأى، ويصحبها معه فى المساء إلى الفضائيات، وربما أخذها بعد ذلك إلى فراشه. ثانى هذه الأبقار هى بقرة «الحكومة الائتلافية» التى لا يمل أصحابها من السجود أمامها وإحاطتها بهالة من القداسة باعتبارها كل المراد من رب العباد. ولكى ندخل هذه الحظيرة، يجب أن نسلم فى البداية أن السياسة فى أبسط تعريف لها هى علم وفن حل الخلافات داخل المجتمع، وأن نتفق مع ما كتبه «جان جاك روسو» من أن القوى ليس قوياً بما يكفى كى يسود دائماً إلا إذا حول القوة إلى حق، والطاعة إلى واجب، ولهذا السبب عرف التاريخ قيادات كانت لهم صلاحيات دستورية وسياسية لكنها عجزت أن تحولها إلى سلطة سياسية شرعية، وهو ما دفع جانبا كبيرا من الفقه السياسى إلى تأكيد أهمية توفر قدر معقول من المساواة السياسية والاقتصادية كأساس لتوفير الرضا العام الذى هو قاعدة الاستقرار. وقد تعددت النظريات السياسية التى حاولت تفسير سلوك المجتمعات البشرية حيال السياسة، ويمكن القول باختصار أن أبحاثاً عديدة قد توصلت إلى أن السلوك الجمعى (الكمى) لا يعد معياراً يعتد به لفهم التطور السياسى لمجتمع من المجتمعات، وقد ضرب الكاتب الأمريكى «آلان بول» مثالاً على ذلك من خلال استقصاء للرأى حول قانون غير موجود أطلق عليه «قانون المعادن المعدنية»، واكتشف أن هناك أغلبية كبيرة من الأمريكيين أبدوا آراء مؤيدة ومعارضة لهذا القانون الوهمى. والحقيقة التى لا مراء فيها هى أن القياسات الكمية بالتعريف تبحث عن شىء يمكن قياسه، ولذلك فهى تركز دائماً على الطبقة التى تقرأ الصحف والأعمدة السياسية وتتابع البرامج الحوارية، ومع ذلك لا تبحث بالدقة الكافية عما إذا كان ذلك يؤثر بالفعل على القناعة السياسية لدى جموع الناس، وإذا كان يؤثر فكيف يكون ذلك؟. بناء على ذلك، فإن «الصندوق» باعتباره أداة كمية لجمع ورصد الأصوات الانتخابية لا يعد فى حد ذاته معياراً يعتد به، والاكتفاء به لتحديد المسار السياسى يشبه من يقود سيارة وهو يركز بعينه فقط على عداد السيارة كى يتباهى بالمسافة التى يقطعها، فهو فى النهاية سوف «يلبس فى الحيط» ومعه كل ركاب السيارة!
وإذا نظرنا إلى البقرة الثانية (الحكومة الائتلافية) سنجد أن الانتقادات الموجهة إلى حكومة د.هشام قنديل (وما سبقها وما قد يتلوها من حكومات)، تتركز فى بحث مشاكل هذه الحكومة باعتبارها سلطة، رغم أن الشلل الذى تعانيه يعكس فى حقيقته مشكلة إدارة وتوجيه فى المقام الأول، فالتركيز كما هو واضح ينصب على بنية الوزارة (أسماء الوزراء وانتماءاتهم الحزبية وكفاءتهم الشخصية)، بينما كان يجب التركيز على قدرة هذه الوزارة على الاتصال والتواصل والتأثير، وهو ما يعنى باختصار أن التركيز ينصب على العضلات والعظام وليس على الجهاز العصبى الذى يوجه ويدير. لذا فقد لا يكون من المناسب أن ينحصر دور الأحزاب والقوى السياسية فى البحث عن حكومة ائتلافية كى تعالج بشكل سطحى أو كمخدر موضعى أعراض المرض، وإنما يجب أن يتجه الجهد الرئيسى إلى معالجة أسباب الخلاف بأسلوب ديمقراطى يستند إلى الاجتهاد للتوصل إلى حلول وسط مع إجراءات جادة للمصالحة الوطنية. وفى الختام، أود التنويه إلى أن الاختلاف هو سنة كونية لأنه نتيجة طبيعية للتنوع داخل أى مجتمع منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها، والسياسة يجب أن تكون علم وفن التوفيق بين الاختلافات، ولا شك أن الصندوق الانتخابى يمثل إحدى الوسائل الهامة فى هذا الصدد، إلا أن هناك وسائل أخرى لا تقل أهمية مثل مناقشات البرلمان والمظاهرات والإضرابات وأح
كام السلطة القضائية (وخاصة المحكمة الدستورية) وهى أدوات ضرورية لتبريد حدة الصراع ومد جسور للتواصل بين الفرق المتصارعة لبحث كيفية الوصول إلى حلول وسط. أما إذا أغلقت هذه المسارات السلمية القانونية، فلن يبقى أمام القوى السياسية التى لا تجد وسيلة أخرى إلا اللجوء للعنف وربما قلب نظام الحكم نفسه مهما حصن نفسه بالصناديق!.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة