إذا مررت سريعا بصفحات التاريخ ووصلت الى عالم اليوم، فستجد أنها هى الأيدى المصرية التى أقامت وعمرت هذه الأحياء والصفوف من العمائر الحديثة.. ومن البيوت الأنيقة.. التى نراها الآن فى الكويت وفى الإمارات، وفى ليبيا وفى أرجاء كثيرة فى العالم العربى، حيث تقف علامات بارزة على العمران والتقدم والرخاء.
وإذا ذهبت إلى اسطنبول وطفت بمساجدها الباذخة القائمة على ضفة البوسفور، والمنتشرة فى أرجاء المدينة مطلة بمآذنها المتعالية الى السماء.. وإذا دخلت مسجد السليمانية أو مسجد السلطان أحمد، أو مسجد القبة الزرقاء وراعتك وبهرتك روعة العمارة وهيبة البناء ودقة الفن وجماله، فاعرف أن الأيدى المصــرية هى التى عملت فى بناء هذه المساجد، والمآذن، والمنابر، والمحاريب، بكل ما حملته هذه الأيدى من مهارة وخبرة ودقة وذوق عظيم.
وإذا شرقت وذهبت الى الهند وزرت مدينة أجرا ورأيت ضريح تاج محل فى النهار، حينما تسطح الشمس على قبابه، أو فى الليل حين تنعكس صورة البناء الرائع على صفحة النهر الهادئ، وعندما تدخل هذا الضريح الهائل فتقرأ على جدرانه آيات من القرآن الكريم محفورة فى المرمر، وتحيط بها الزهور بألوان شتى زاهية، مرسومة بقطع من المرمر بلون الزهور والأغصان، فاعرف أن الأيدى المصــرية، هى التى عملت فى بناء هذا الضريح الرائع مثلما عملت فى إقامة المساجد والمآذن والأضرحة فى دلهى وأجرا، وحيثما قام الحكم الإسلامى فى أرجاء الهنـد.
وإذا طفت بكل ما حولنا من بلاد، من فارس شرقا الى تونس غربا، ورأيت روائع الفن الإسلامى من مساجد ومآذن، ومن أضرحة وقباب، وأيضا من قصور السلاطين والأمراء، وما حوت من أثاث وآنية ومتاع، فاعرف أن هذه الأيدى المصــرية، قد عملت فى إقامة وصناعة هذه الروائع، وأنها حملت إلى أرجاء العالم الإسلامى شرقا وغربا كل ما اكتسبته واختزنته على مر الدهور من خبرة ومهارة وذوق فى إبداع الحضارة.
وأنها ليست أيدى المصريين فحسب، ولكنها أيضا عقول المصريين، وما تحمل هذه وتلك من مهارة موروثة، ومن علم وخبرة، ومن فن وذوق فلم يعد دور "مصــر" فى عصرنا هذا مقصورا على دورها القديم فى بناء العمائر والقصور والبيوت، ولكنها تسهم فى بناء الإنسان حضاريا، فى المدارس والجامعات، وفى قوانين الدولة وأجهزة الحكومة، وفى حياة الناس وتقدمهم ورفاهيتهم، وتسهم فى تغيير وجه الحياة فى كل نحو من الأنحاء: من بداوة إلى حضارة، ومن مهنة الكر والفر، أو مهنة الرعى والصيد، إلى حرف العمل، والإنتاج، وتهيئة الحياة المتحضرة والمترفة.
وأنها "العمالــة المصــرية" كما يسمونها هذه الأيام، أو هى "صناعة الحضارة" كما يرويها التاريخ.
فوزى فهمى غنيم يكتب: تحية إلى هذه الأيدى التى شيدت وعمرت
السبت، 16 مارس 2013 06:21 ص
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة