لا يكاد يخلو حديث عن الشأن السياسى المصرى من الإشارة، بشكل أو بآخر، إلى الدور الأمريكى، سواء ما فعلته، أو تفعله، الإدارة الأمريكية لإيجاد نوع من التأثير، وربما التوجيه، للأحداث فى مصر.
والأمثلة لذلك كثيرة، فقد تجدد الحديث عن الدور الأمريكى مؤخراً بسبب زيارة وزير الخارجية الأمريكى لمصر، وعما يحمله من "رسائل"، وما يمكن أن يسفر عنه ذلك فى ظل الأزمة السياسية المحتدمة فى مصر.
وبعيداً عما يدور فى الغرف المغلقة، فلا أظن أن يختلف أحد مع ضرورة تحقيق السيادة والاستقلال الوطنيين بشكل كامل، وأن أى "ثغرة" يمكن أن تستغل لانتهاك هذه السيادة، وذلك الاستقلال لابد أن تسد وتغلق تماماً على ما فيها.
فى هذا السياق، أستطيع أن أقرر جازماً أن "المعونة العسكرية الأمريكية لمصر" هى أكبر "الثغرات" التى تستحق التوقف بشأنها والحديث عنها.
المدخل لتناول هذه المسألة، فى تقديرى، يجب أن يكون بالحديث عن التوقف التام عن قبول المعونة العسكرية الأمريكية لمصر، ذلك أن حجم المنافع التى تجنيها مصر جراء تلقى تلك المعونة لا تكاد تذكر، إذا ما قورنت بالأضرار الناجمة عن تلقيها، ولبيان ذلك نشير، بإيجاز، إلى ما تحققه حكومة الولايات المتحدة من استفادة مباشرة نتيجة تقديمها المعونة العسكرية لمصر، فقد ورد بالتقرير الرسمى الصادر ــ فى أبريل من العام 2006 ــ عن "مكتب المساءلة الحكومى" التابع مباشرة لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية، أن الأخيرة حصلت على امتيازات من الحكومة المصرية تمثلت، من بين أمور أخرى، فى "الإذن بالتحليق" لعدد 36553 طائرة عسكرية أمريكية فوق الأجواء المصرية، وذلك عن السنوات من 2001 إلى 2005 فحسب، بالإضافة لمنح عدد 861 من سفن البحرية الأمريكية ــ خلال نفس الفترة الزمنية ــ حق "المرور السريع" و"المدعوم أمنياً" من قناة السويس.
وعلى الجانب الآخر، إذا ما نظرنا للاستفادة المصرية من أموال المعونة العسكرية، والتى تتلقاها مصر فى شكل معدات عسكرية أمريكية أو صيانة لمعدات أخرى قائمة، فنرى أنها استفادة تصب لصالح الطرف الأمريكى بشكل واضح، فقد ورد بالتقرير السابق نفسه أن من أهداف المعونة العسكرية لمصر أن تكون المعدات العسكرية المصرية أمريكية الصنع.
وقد أشار التقرير إلى أن استمرار تدفق المعونة على امتداد خمسة وعشرين عاماً، نجح فى جعل نسبة المعدات العسكرية أمريكية الصنع التابعة للجيش المصرى تصل إلى ما يقرب من ستين بالمائة من مجموع المعدات العسكرية المصرية، ولا شك أن ذلك يفتح الباب على مصراعيه للسيطرة على الجيش المصرى عن طريق الوقوف على مقدراته والتفاصيل الفنية للإمكانيات العسكرية المصرية.
حاصل المسألة، أن هذه السياسة ــ المرتبطة بالمعونة العسكرية الأمريكية لمصر ــ من شأنها تقويض العسكرية المصرية، وهو ما يصل بها، وبصانع القرار المصرى، إلى نوع من التبعية، لا الشراكة، التى تنال كثيراً من "حرية" الجيش المصرى ــ بوصفه ذراع القوة للدولة ــ وهو ما ينال، بالتبعية والضرورة، من دور مصرى إقليمى فاعل ومستقل نتطلع إليه فى قابل السنوات.
* شهادة هيوبرت همفرى فى العلوم السياسية والقانون الدستورى- كلية واشنطن للقانون بالولايات المتحدة.