"دفاعًا عن التراث" كتاب جديد لجابر عصفور عن المصرية اللبنانية

الخميس، 14 مارس 2013 02:27 ص
"دفاعًا عن التراث" كتاب جديد لجابر عصفور عن المصرية اللبنانية غلاف الكتاب
كتب مايكل عادل

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"دفاعًا عن التراث" كتاب جديد للدكتور جابر عصفور، صدر عن الدار المصرية اللبنانيـة، يقع الكتاب فى 286 صفحة من القطع المتوسط، ويحتوى الكتاب بعد الإهداء والمقدمة على أربعة أبواب كبرى هى: "عن القص"، و"ناثرون ومفكرون"، و"إضاءات وملاحظات" و"محاكمة ألف ليلة وليلة".

الأبواب الأربعة متضمنة خمسة وعشرين فصلًا، فباب "عن القص" يشمل فصول : ملاحظة حول تراثنا القصصى، وأمثولة شهرزاد، وطبعات ألف ليلة وليلة، وحكاية الشيخ قطة، وتحولات الليالى، وسر شهرزاد، وباب "ثائرون مفكرون" فيه : "معانى الاحتفال بالتوحيدى" و"أبو حيان التوحيدى بعد ألف عام" و"الرغبة الملتبسة فى الكتابة" و"مفكر إنسانى ننتسب إليه" و"الإنسان والفنون"، وباب إضاءات وملاحظات يشمل فصولا عن الطعام والجنس، وأفروديت وموائد الحب، ومذمة الزوجات النكدات، وحرف فى اللغة الشاعرة، والمتزمتون.

أما باب محاكمة "ألف ليلة وليلة"، ففصوله كلها مخصصة لهذا الكتاب البديع، أقدم كتاب فى فن القص وهى: مصادرة ألف ليلة وليلة، وإنقاذ ألف ليلة وليلة من الحرق، ودفاع مجيد عن ألف ليلة وليلة، وحكم تاريخى لصالح ألف ليلة، ومرافعة البلبل فى القفص، ودفاع أخير عن ألف ليلة. ومن فرط محبة د. جابر عصفور وتفانيه فى الدفاع عنها يهدى كتابه كله إلى "القاضى المستنير سيد محمود يوسف" الذى لا يعرفه شخصيًا، ولكنه قرأ حيثيات أحكامه الحاسمة برفض مصادرة ألف ليلة وليلة، واتهامها بالإساءة إلى الآداب العامة أربع مرات.

هذا هو الكتاب الثانى للدكتور جابر عصفور الذى خصصه للتراث العربى، بعد كتابه السابق مباشرًة "غواية التراث"، والذى صدر أيضا عن الدار المصرية اللبنانية، وجابر عصفور أحد كبار نقاد الوطن العربى الذين غاصوا فى هذا التراث، واستخرجوا كنوزه الباقية ومعانيه الحضارية التى أثرت فى البشرية جمعاء، فكيف يكون الدفاع عن التراث فى رأى د. جابر عصفور؟

كما يوضح فى مقدمة كتابه الجديد "دفاعًا عن التراث": الدفاع عن التراث، خصوصا الإبداعى والأدبى، له أشكال وأساليب متعددة : هناك الدفاع بإبراز القيم المتجددة من هذا التراث الذى لا ينحصر تأثيره فى عصر واحد، انتهى منذ زمن يفصلنا عنه ويباعد بيننا وبينه، وإنما يجاوز عصره أو القرون الذى شهدته زمانا ومكانا إلى غيره من العصور والقرون والأمكنة التى تمتد بامتداد الإنسانية كلها.

إن الجانب الإبداعى الأصيل من التراث، كما يرى جابر عصفور هو الجانب الذى يغوص فى أعمق أعماق زمنه الخاص، فيصل إلى الجذر الإنسانى الذى يجعله قادرا على إثارة كل الأزمنة الإنسانية فى كل مكان، يعرف معانى الحق والخير والجمال. ولذلك بقدر ما يتحدث نقاد الغرب عن "شكسبير معاصرنا"، وعن هوميروس الذى تتجدد معانى إلياذته وأوديسته فى كل العصور، رغم اختلاف آليات تلقيها فى كل زمن أو بيئة أو لغة، فإننا بالقدر نفسه، يمكن أن نتحدث عن العام الذى نجده فى الأصيل من الخاص فى التراث الأدبى، أو فى القيمة الإنسانية التى نجدها فى الإبداع المحلى لهذا الشاعر الجاهلى أو ذاك، أو هذا الناثر العباسى أو غيره من أهل المنثور أو المنظوم.

ويضيف د. جابر عصفور ولهذا فالأبعاد الوجودية التى نجدها فى شعر طرفة أو الصعاليك فى العصر الجاهلى، تتجاوب مع أبعاد مشابهة عند شعراء عصور لاحقة، إلى أن نصل إلى أبى العلاء المعرى الذى كتب ضده المتزمتون وضيقو العقول الذين هاجموه، وناصبوه العداء، ولم يكفوا عن اتهامه بالكفر، فرد عليهم بكتابه "زجر النابح". والأمر نفسه ينطبق على روائع المنظوم الموازية إلى جانب روائع المنثور، سواء كنا نتحدث عن تراثنا الصوفى أو العقلانى الكلامى، أو الفلسفى الخالص، أو غيرها من تيارات التراث التى تختلف وتتعارض أو تتناقض أو حتى تتصارع من منظور رؤى العالم، لكنها تتجاوب فيما تحت السطح الخارجى فى جذر القيمة الجمالية التى تنطوى بالضرورة على أبعاد أخلاقية وسياسية واجتماعية، هى أوجه متعددة لجوهر التجربة أو التجارب الإنسانية المختلفة فى المظهر، لكن المؤتلفة فى أصل الجوهر.

وليس هناك ما يهدد هذا التراث فى وجوده، أو يقوم بتشويهه فى أذهان المعاصرين، ويقطع بينهم وبين تراثهم التنويرى سوى المتزمتين، الذين خصهم د. جابر عصفور بفصل فى كتابه، ووصف دور وظيفتهم بأنها التضييق على الناس والحجْر عليهم فيما أباحه الله لهم. وكل شىء عند هؤلاء المتزمتين حرام وضلالة وإثم ومعصية. البسمة غير مسموح بها. والضحكة قلة قيمة. والهزل الذى تستجم به النفس حتى تقوى على الباطل معصية تستوجب التعنيف والتقبيح. وإذا خرج كاتب عن موضوعه على سبيل الاستطراد الذى يدفع الملل فقد أثم إثما كبيرا، خصوصا إذا خلط الجد بالهزل، أو تنقل بينهما، كأن الحياة جد خالص ووجه عبوس ممتد. وتراثنا العربى الإسلامى ملىء بأمثال هؤلاء المتزمتين الذين يفسدون على الناس حياتهم، ولا يزالون إلى اليوم يمارسون ترويع الناس بتعاليمهم التى لا علاقة لها بسماحة الدين بأى حال من الأحوال.

ويستشهد د. جابر فى هجومه على المتزمتين بـ"ابن قتيبة" حين يقول: حتى ابن قتيبة (ت: 276هـ) الذى مال إلى الحنابلة، ووقف مدافعا عن مذهب أهل السلف، وكتب عن تأويل مشكل القرآن الكريم ومختلف الحديث الشريف، لم يجد حرجا فى أن يهزل، وفى أن يروى حكايات للجنس فيها نصيب كبير، وأن تصل به رحابة الصدر إلى عدم التحرج من ذكر الأعضاء الجنسية التى رأى أن ذكرها ليس إثما بحال. وكان فى ذلك كله متبعا عادة السلف الصالح فى إرسال النفس على سجيتها والرغبة بها عن الرياء والتصنع. ولذلك يلتفت ابن قتيبة إلى هذا القارئ المتزمت كما لو كان يواجهه مواجهة أخرى بقول تحذيرى مؤداه: لا تستشعر، أيها المتزمت، أن القوم قارفوا وَتنزَّهْتَ، وثلموا أديانهم وتورّعت. لأنه أنت الذى تزمت فيما لم يتزمت فيه السلف الصالح، وتعصبت فيما تسامح فيه مَنْ هو أفضل منك عند الله، فاترك ما يفرح به الناس، وما يرونه عونا لهم على الحياة التى لا معنى للجد فيها من غير لهو وفرح ومسرة!





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة