هذا هو الانسحاب الثانى ولن يكون الأخير بعدما سبقهما هروب متكرر لن يختفى ولن يزول بل سيتمر طالما تشابهت الظروف والعوامل وتطابق الأداء والعقيدة لدى تلك المؤسسة العتيقة والذى لا تعى ولا تدرك غير أنها أنشأت لحماية النظام ورأسه والتفانى والتمادى فى كسر ووأد كل معارضة فى وجهه.
شهدت عشية جمعة الغضب الإنسحاب الأول للداخلية بأجهزتها من الشارع المصرى وإن لم تختف فى الحياة السياسية، حيث خُطط له بشيطنة شديدة بغرض إغراق البلاد فى حالة من الانفلات الأمنى وترويع الناس بالفوضى والتى أعلنها المخلوع صراحة فى خطابه والذى خير فيه الناس إما بقائه أو الفوضى، وذلك بهدف إجهاض الثورة فى مهدها، فانقلب السحر على الساحر حيث نجحت الثورة وضاعت هيبت الداخلية فلم تقم لها قائمة حتى وقتنا هذا.
وها نحن نشهد فعاليات الانسحاب الثانى والذى قرر له بإضراب عام من أفراد الشرطة بدعوى احتجاجهم على وزير الداخلية الحالى ومطالبتهم بعودة الوزير السابق والذى لم أرى أى فارق بينهما سوى اختلاف الاسم، ثم أضافوا بعض المطالب بزيادة معدلات التسليح ونوعياتها ليعودوا بقوة أكبر من التى كانت، وهو أمر غير مبرر لتقاعسهم أو لتوقفهم عن العمل.
أما عن الهروب فهو متكرر الى ما لا نهاية، حيث دأبت الداخلية على الهروب من الدور المنوط به أداؤه، وهو حفظ أمن المواطن وحمايته، وهو ما لم تقوم به أو حتى تضعه فى حساباتها طيلة فترات خدمتها منذ النشأة، بينما كانت أشد حرصاً على حماية وخدمة النظام الحاكم بحاشيته، وسخرت كل إمكانيات وقدرات لتنفيذ ذلك الأمر بعدما بنت عقيدتها على خدمة الحاكم وإذلال المحكوم.
وعلى مدار الأيام والسنين خاصة فى فترة حكم المخلوع كانت الشرطة السيف البتار المسلط على رؤس العباد، فانتشرت الممارسات التعسفية التى انتهكت كل حقوق للإنسان، فامتلأت أقسامهم ومراكزهم وسجونهم بالمظلومين المعذبين المنتهكة حقوقهم، وعمً الظلم والظلام شوارعهم بعد إهانات وسحل وفساد وإفساد طال السائرين والثائرين فيه، فضلاً عن كثير من قضايا الرشوة والمحسوبية والفساد والإفساد فى الأرض.
أخطأ الرئيس مرسى بعدما أتبع سياسة "اذهبوا فأنتم الطلقاء" مع شياطين الداخلية فكان الاستمرار فى ممارساتهم دون رقيب أو حسيب إنتقاماً من المصريين على قيامهم بالثورة والتى أقلت مضاجعهم، فكانت سُبة فى جبينه، بينما كان الأجدر به -ومازال- أن يتبع سياسة البتر والتطهير، فيقتلع فساد الوزارة من جذورها فى هيكلة لقياداتها وتغييراً فى عقيدتها حيث مازالوا يدينون بكل ولاء للنظام البائد، وها هو يجنى ثمار تلك السياسة الخاطئة، غير أنه وللأسف يشارك المواطن مناصفة فى دفع تلك الفاتورة التى تسدد بالعملة الدموية.
وبعد تحسينات وتعديلات أجريت على أحوالهم الوظيفية والتى شهدت تقدماً كبيراً فى ظل وقت قياسى لم يكن يدور بأحلامهم، لا أستطيع أن أتفهم انسحابهم من تأديتهم لدورهم فى المجتمع غير أنه هروب من المهمة الموكلة إليهم كجزء من مخطط لزيادة حالة الانفلات الأمنى المستشرية فى البلاد وتكملة للمطالبات بإعادة الجيش لإدارة البلاد.
إن ما أقدم عليه هؤلاء لابد له من وقفة شديدة حاسمة حازمة بكل حدة وشراسة، وقد تكون الفرصة الذهبية لإجراء عمليات التطهير والبتر للأعضاء الفاسدة فى هذا الجسد التعيس.
