يبدو أن التقارب المصرى الإيرانى الذى ظهر مؤخرا بدأ يؤتى ثماره على الأقل من الجانب الإيرانى حتى الآن، بالشكل الذى جعل ١٧ عالما ومفكرا إيرانيا - من بينهم على أكبر ولايتى مستشار المرشد لشؤون السياسة الخارجية - يقومون بإرسال رسالة إلى الرئيس محمد مرسى دعوه فيها بأن يستوحى نظام ولاية الفقيه الإيرانى وتطبيقه فى مصر، وأعلنوا استعدادهم للمساهمة فى نقل "الإنجازات" التى حققتها إيران فى ظل هذا النظام إلى مصر، وتبنى النموذج الإيرانى، والانضمام إلى طهران فى بناء "الحضارة الإسلامية الجديدة"، استناداً إلى تعاليم الإمام الراحل آية الله الخمينى، لاسيما فيما يتعلق بـالحرب بلا هوادة ضد الصهيونية والغطرسة العالمية... إلى آخر الخطاب!!
الخطاب فى مجمله نوع من الحماقة السياسية ومحاولة التدخل فى الشئون الداخلية لمصر، واستغلال الأزمات التى تعيشها للعبث بأمنها القومى ومحاولة وضع موطىء قدم بها، خاصة بعد زيارة الرئيس الإيرانى محمود أحمدى نجاد إلى القاهرة مؤخرا لحضور القمة الإسلامية ولقائه بالرئيس محمد مرسى، عن طريق تسويق إنجازات "ولاية الفقيه" الوهمية بواسطة علماء إيران القريبين من السلطة الحاكمة بالطبع.
هذه هى المرة الثانية التى تقوم فيها إيران بإرسال رسائل استفزازية إلى مصر لمحاولة التدخل فى شئونها والتقرب إليها، فقد كانت المرة الأولى حين قامت ثورة 25 يناير وقف وقتها المرشد الأعلى آية الله على خامنئى ليعلن بأن الثورة المصرية هى ثورة إسلامية وأنها استوحت مبادئها وأهدافها من الثورة الإيرانية التى قامت عام 1979!!
تريد إيران أن تكون مصر دولة فارسية أخرى تقوم على مبدأ ولاية الفقيه وهو المرشد الأعلى الذى يمتلك السلطة الفعلية فى البلاد - وليس رئيس الجمهورية المفترض أنه منتخب من الشعب- ويتحكم فى كل أمور الحياة فى إيران ولا يمكن لأحد مخالفته وإلا كان مصيره الاعتقال أو الموت، وتسعى إلى أن تتحول مصر إلى دول ثيوقراطية تقوم على مبدأ السمع والطاعة، ولكن ما تفكر به إيران هو ضربا من الخيال لن ولم يحدث فى مصر أبدا حتى مع حكم الإخوان المسلمين.
يريد أيضا الإيرانيون أن ينقلوا الإنجازات التى حققتها الثورة الإسلامية خلال 34 عاما إلى مصر.. ولكن السؤال هنا: عن أى إنجازات يتحدثون؟
إن إيران نموذج حى للدولة الديكتاتورية القامعة للحريات والمنتهكة لحقوق الإنسان (إيران تقبع فى مؤخرة الدول من حيث سجل حقوق الإنسان وفقا لتقاريرالأمم المتحدة والمنظمات الدولية)، وديمقراطيتها التى تتباهى بها هى ديمقراطية زائفة، صحيح هناك انتخابات رئاسية تتم كل 4 سنوات ولكنها غير حرة وغير نزيهة على الإطلاق، والدليل ما حدث فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة فى عام 2009 وما تم بها من تزوير فاضح ومقنن لصالح الرئيس أحمدى نجاد، والقبض على كل من مهدى كروبى ومير حسين موسوى مرشحا الرئاسة آنذاك ضد الــرئيس نجاد واعتقالهم.
ما يدعو إلى الاستفزاز فى هذه الرسالة أيضا هى الفقرة التى تتحدث عن اعتماد إيران مبدأً محوريا فى سياستها الخارجية يتمثل فى دعم المظلومين فى جميع أنحاء العالم لاسيما الشعب الفلسطينى المضطهد.. ولكن تناسى العلماء الأجلاء فى إيران الحديث عن الشعب السورى "المضطهد" والذى يتعرض لمذابح دموية يومية من نظام بشار الأسد الغاشم بفضل الدعم الذى يلقاه من النظام الإيرانى الغاشم أيضا – أملا فى تحقيق مآرب سياسية واستراتيجية فى المنطقة - والذى لولاه لكان سقوط النظام السورى أمرا حتميا".
وتناسوا أيضا أن إيران لم تقدم شيئا جوهريا يُذكر لدعم القضية الفلسطينية أو للدفاع عن الفلسطينيين واستعادة حقوقهم المشروعة اللهم إلا شعارات واهية وأقوال لم تترجم إلى أفعال.
لا نريد من "الإخوة" الإيرانيين أن يمّنوا علينا - كل فترة- بأفكارهم ومقترحاتهم العظيمة التى لا تناسبنا أبدا، وليعلموا جيدا أن تطبيق أو استنساخ تجربتهم – التى أثبتت فشلها – أمر غير وارد عل الإطلاق، وعليهم أن يعوا أن مصر صاحبة حضارة إنسانية وتاريخية عظيمة ولها تجربتها الرائدة التى كانت مصدرا لإلهام العالم، وهى أيضا صاحبة أفضل الثورات فى التاريخ وكان آخرها ثورة 25 يناير التى أبهرت العالم كله.
فليهتم الإيرانيين بأمورهم وشئونهم ومشاكلهم أولا قبل التدخل فى شئون الغير.
أحمدى نجاد
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة