1- تغيير العقول وآفة الكونترول
لا تقوم "نهضة" أى بلد تريد ذلك حقا إلا من خلال التعليم، وحده التعليم يمكن أن تعدوه مقياسا لنجاح الثورة وتغير البلد نحو الأفضل، وعلى غير ذلك النحو يصير الأمر كـ"الجرى فى المكان"؛ مجهود بلا فائدة، وحركة بلا تقدم.
الثورة تغيير للعقول يقودها تغيير للأنظمة، والثبات ضد الحياة، والتقدم - الآن- يُقاس يوما بيوم، ولا يعدو الأمر أن يكون سباقا بالمعنى الحرفى للكلمة، وكل ثانية تستمر فيها "بلاهات" النظام السابق ترسخ جذورها. ومن الواجب أن يكون "ادخار" المجهود وأخذ الدفعة الأولى مهمة قومية، وإذا حسن البدء – كما يقولون - حسن الختام.
وإذا لم تتغير طريقة التفكير فى معالجة مشكلات التعليم يصبح الرهان على إفادة الطلاب وبالتالى قيامهم بحمل عبء البلاد – على الوضع الحالى - نوعا من الرهان على حصان خاسر.
ابدأ بما ينتهى إليه العام الجامعى من بدعة لم يرها أحد إلا فى مصر فقط. وحدها مصر - فيما أعلم - لا تزال متمسكة ببدعة الكونترول، مع أنها ليست بدعة حسنة! بينما لا يتم – حتى فى الدول العربية - الاستعانة به.
ومجهود أعضاء هيئة التدريس فى خدمة الكونترول ربما يعادل مجهودهم خلال فترة "التيرم" كله، أن استنزاف مجهود الأساتذة، وعلى مدار أكثر من شهر، لا يستفيد منه أحد؛ طالب كان أو منظومة علمية أو بحث علميا ينجزه "نساك" الكونترول؛ كلّ فى مجاله، وربما لو صرفنا مجهودنا خلال تلك الفترة لما يفيد لبانت نتائج ما، حتى على صعيد الاستعداد للتيرم القادم، وهذا أضعف الإيمان".
لشهر كامل، تنقطع إمكانات الكليات بشريا وماديا لخدمة الكونترولات. وتغلق المدرجات والمعامل قربانا لذلك الوثن الذى ننفرد به، فيمتص مجهودات ويهدر أموالا. اصرفوا مجهود الأساتذة لما يحافظ على المال العام، ويفيد الطلاب والعملية التعليمية، وليس ما ينتفع به بعض المستفيدين الذين سيكونون أول المعترضين؛ ربما لأنهم يستفيدون من كونترولات كثيرة. المصلحة العامة أولى فى العهد الجديد.
فى الكونترول يكون الخطأ على المشَاع؛ فيتفرق دم الطالب بين القبائل، على عكس أن تكون المسؤولية محددة، وذاتية، وشخصية، والحل - كما عند غيرنا - أن يكون أستاذ المادة (فى مادته) مصححا، وراصدا، ومراجعا، ومدخلا للبيانات. مسئولية كاملة من البداية حتى إدخال النتيجة على "المنظومة"؛ وهى برنامج بسيط للغاية، لا تعادل قيمته شيئا. اجعلوه مشروع تخرج لطلاب الحاسبات والمعلومات، وستجدون ما يسركم. وببلاش.
وإذا كان البعض سيرى أن "رفع النتيجة" لن يحدث فى هذه الحالة؛ فرفع البلاد من عثرتها أولى من رفع النتيجة. أخرجوا التعليم من لعبة السياسة. التعليم صانع سياسات، وليس منفذا لها.
الكونترول - فى جوهره - تبديد للمال العام؛ إذ تخدمه مكافآت وأدوات ومطابع، وغيرها من "القربات" قد تصل إلى 5 ملايين جنيه لكل كلية، وقد تتعدى مصاريف الكونترول مئة مليون جنيه فى العام، وإذا بحثت عن مصارف - أكثر أهمية - لهذه الأموال، فستطول القائمة من إضاءة وتكييفات ومقاعد وأدوات معمل يشتريها الطالب من جيبه الخاوى.
وليست العيوب مادية فحسب، لقد تربينا على أنه "لا سلطان على الأستاذ الجامعى إلا ضميره"، ويبدأ الكونترول – فى ظنى - بافتراض عدم الأمانة فى عضو هيئة التدريس؛ حين يحذفون اسم الطالب من على ورقة الإجابة، وهو ما لا يحدث فى أى مكان آخر (واسألوا من عملوا بالخارج دارسين ومدرسين)، وذلك برغم أن من يريد التلاعب بالنتيجة أو أن يجامل أحدا أو يظلم غيره، فلن يُعجزه هذا التصرف الصبيانى.
وفى غمرة غياب الجامعات المصرية عن أفضل 500 جامعة فى العالم ودخول دول أقل شأنا، ولهاث الجامعات عندنا خلف الجودة والاعتماد، والساعات المعتمدة (والتى تفرض غياب الكونترول)، يبدو التمسك به نوعا من قول السابقين "إنا وجدنا آباءنا على أمة". استمروا فى طاعة القديم، ومنه الكونترول، أو ابحثوا عن مشروع للتعليم. صارحونا يرحمكم الله.
بعد حين، حين يعود الدكتور محمد مرسى زميلا عزيزا، هل سنحمد له إسهامه فى تطوير التعليم؟ أم أننا – ساعتها - سنكون على عهدنا فى الجرى فى المكان. أن كان هناك "نفس". افتح النون أو اكسرها. سيان. أتمنى أن تكون هذه السطور فاتحة لمقالات أخرى. إن كان هناك "نفس" بالكسر فقط.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة