يجب أن يكون واضحا منذ البداية أن مصر التى نحبها جميعا ونعتز بالانتماء إليها تتعرض اليوم لأكبر الأخطار.. وأن المعارك السياسية الدائرة اليوم على أرضها ليس فيها غالب ولا مغلوب وإنما فيها عار وشنار، وأن الإثم سيلحق قطعا ويقينا بكل من استخدم العنف فى السعى لتحقيق مكاسب فئوية أو حزبية أو طائفية أو سياسية.. لأنه سيبقى ما بقى له من عمره جنائيا وليس سياسيا، وذلك لأن العمل السياسى والمعارضة السياسية فى أى مكان فى العالم تتحول إلى جرائم إذا ما تجاوزت القانون المعمول به.
والسبب فى نظرى فى تغليظ تلك الأفعال بل تلك الجرائم سياسيا يرجع بالأساس إلى أن مصر اليوم غير مصر الأمس، فقد أصبحت لنا بعد أن سرقت منا على مدى عقود طويلة، وأننا قد استعدناها بشهداء لاتزال دماؤهم تعطر أجواء مصر وتزين أرضها وجدرانها.. كما أن كل من يلجأ إلى العنف بشكل مباشر أو يستخدم البلطجية فى العمل السياسى بعد أن فتحت أمامه كل أبواب التعبير والتغيير السلمى إنما يشارك فى هدم هذا الوطن وليس بناءه، وهو أيضا يعلن صراحة عن خروجه عن مسيرة الشرف التى يساهم فيها كل من يعيش اليوم على أرض مصر ساعيا فى بناء مصر الجديدة.
تعجبت كثيرا أثناء حواراتى التليفزيونية مع بعض رموز المعارضة المصرية وأنا أسمعهم يبررون الأفعال العنيفة التى يشهدها الشارع المصرى هذه الأيام والتى أصبحت من مستلزمات المعارضة السياسية!! لكن عجبى بلغ مداه حين سمعت من يقول دون تردد إن قطع الطرق وإغلاق الميادين وتعطيل القطارات والمتروهات واستعمال المولوتوف هو فعل ثورى، وإنه مستمر حتى إسقاط النظام!!
كنت كلما ذكرت أن بعض رموز المعارضة يحرضون على العنف سمعت من يقول هذا ادعاء ينقصه الدليل، وكان البعض يلقى بتبعة التخطيط للعنف على طرف ثالث لا ينتمى للمعارضة أو أنه يعمل لحساب خطتها دون اتفاق.. لكنى عندما سمعت بأذنى هذه الأقوال الخطيرة عدت إلى مراجعة تصريحات رموز المعارضة على مدى الشهور القليلة الماضية مراقبا مدى دلالتها على الدعوة للعنف أو تحبيذه أو التسويق له، فوجدت أن الأمر واضح وضوح الشمس، وأن بعض رموز المعارضة يعتقدون أن الثورة المصرية ضد مبارك لم تنجح إلا بالعنف!! وأن هذا العنف يجب أن يستمر حتى يسقط الرئيس الجديد!!
لم أكن أتخيل أن بعض رموز المعارضة لم يدركوا حتى الآن الفارق الكبير بين الرئيس الذى كان يحكم بتزوير إرادة الناخبين والرئيس الذى اخترناه نحن بكامل إرادتنا ووعينا فى أول انتخابات رئاسية حقيقية على طول تاريخ مصر!!
الحقيقة أن تبنى العنف والتحريض عليه إذا كان نهجا للبعض، فقد رأينا سلوكا لبعض الحركات الثورية يدعو للفخر ويبعث برسائل الأمل وهو ما قامت به حركة 6 إبريل وبعض الأحزاب التى أعلنت عن انسحابها من أمام قصر الاتحادية، احتجاجا على العنف الذى صاحب المظاهرات التى كان من الواجب أن تظل سلمية.
إننى هنا أجد نفسى ملزما بنصح إخوانى المعارضين والمؤيدين على السواء ومن كل اتجاه: بأن يراعوا دائما فى كل حركاتهم، بل تصوراتهم النظرية المطروحة هدفا واحدا، وهو العمل على نجاح الثورة المصرية العظيمة لأنها لا قدر الله إذا سقطت فإنها ستسقط بمصر كلها، وستدمر ذلك الحلم الجميل الذى عشناه جميعا بعد الثورة مباشرة، وذلك ليس بالنسبة لهذا الجيل فقط، بل لكل الأجيال التالية.. إن الحقيقة التى يجب أن تكون محلا للاتفاق ولا تحتاج إلى أى جهد للتدليل عليها هى أن العنف المتصاعد اليوم لن يكون أبدا سببا فى استكمال الثورة، بل هو فى الحقيقة أخطر الأسباب التى يمكن أن تؤدى إلى فشلها لهذا نعلم تماما أن أعداء الثورة فى الداخل وفى الخارج، إنما يسعون إلى توسيع دائرته التى تؤدى حتما إلى نتيجتين:
الأولى.. تزايد حدة الاحتقان بين الأطراف السياسية، وهو ما يعرقل أى إمكانية لحوار جاد يستوعب مشكلات المرحلة ويضع تصورا مشتركا لاستكمال الثورة.. بل هناك من يهدف إلى تفكيك المجتمع والدولة وذلك من جراء اتساع دائرة العنف.
الثانية.. تكفير المجتمع كله بالثورة التى أوصلتنا إلى هذا الصراع والتى أدت إلى تعطيل مصالح الناس.. وهو ما جعلنا نسمع من يقول: فينك يا مبارك!!
إننى أدعو كل المخلصين فى بلادنا إلى مراقبة العقبات والمشكلات التى تزرع فى وجه الثورة التونسية، وتلك التى نراها فى شارعنا السياسى، وعندها سيجدون أن التشابه كبير بين الأوضاع فى البلادين.. تعقلوا يا قوم واعلموا أن هناك طرفا واحدا يسعى لإجهاض الثورتين، وأنه يستخدم بقايا النظم الساقطة فى تدمير النظم التى يسعى الثوار فى البلدين إلى تأسيسها، وأن زرع بذور العنف هو أهم العوامل التى تعمل على إجهاض الثورات وتفكيك المجتمعات.
ورغم كل ذلك فلا يخالجنى لحظة أن كل المؤامرات التى تحاك اليوم فى الظلام للإمساك بالتحولات السياسية أو التأثير فيها عن طريق العنف لن يكتب لها النجاح، وليراجع من يريد أن يراجع تاريخ مصر كله وكيف أنه لم يشهد يوما تلك التحولات الدارماتيكية التى شهدتها مجتمعات أخرى.. وأنه دائما لم يعرف غير التغيرات الطبيعية والسلمية والتلقائية التى تنساب على أرضها كما تنساب مياه النيل بسهولة ويسر مع رفق وهدوء واضحين، وهو ما رأيناه فى ثورة 25 يناير برغم أنها من أعظم الثورات فى التاريخ!!