أصبح الحديث لا ينقطع حول العنف والاعتداء المبرر وغير المبرر، هو السائد بحكم الأحداث التي تدور فى مصر حالياً، فنرى تلك الوجوه - والتى لا تتغير دائما بحكم العادة - تعاود الظهور من جديد وتتحدث بعد كل كارثة دامية تحدث فى مصر عن العنف والاضطهاد والقتل، ثم يعود الحديث عن الشرطة واعتداءاتها الوحشية والعنيفة ضد المتظاهرين، وكأننا فى دائرة مغلقة ندور فيها دون جدوى ولا نخرج منها أبدا.
فها هو حديث الساسة ورؤساء الأحزاب وقيادات الائتلافات الثورية حول نفس الموضوع الذى يتكرر فى كل مرة...الشرطة واعتداءاتها الوحشية والعنيفة ضد المتظاهرين، حتى يصل الأمر إلى الحد الذى يجعلك توقن بأن رجال الشرطة هم السبب الحقيقى لكل تلك المجازر التى أصبحنا نراها فى كل مكان، وليس هذا فقط..بل أنها المتسبب الرئيسى فى كل ما نعانيه من ظلم وفساد،.ومع الوقت تصبح وزارة الداخلية هى "الفزاعة" التى يعلق عليها هؤلاء أسباب خططهم الفاشلة والتى دائما لا تكلل بالنجاح، والسبب يكون إما تعنت النظام، أو تمسكهم بموقفهم وأهدافهم، لا يكترث هؤلاء لما يحدث فى مصر من قتل وتخريب ودمار بل كل ما يسعون إليه هو الانتصار فى تلك الحرب.. حربهم مع النظام وربما مع أنفسهم... حربهم التى وضعونا جميعا داخلها لنكون طرفا فيها ونحن بالطبع لسنا كذلك. ولكن ما حدث فى الأيام القليلة الماضية ما هو إلا إظهار الصورة وكأنها حرب دائرة بين الشباب الثائرين والذين خرجوا رغبة فى تحقيق حياة كريمة لمصر وللمصريين، وبين قوات الشرطة أو " الفزاعة " التى كنا نتحدث عنها... القوات التى كل هدفها حفظ الأمن وحماية مؤسسات الدولة، وتأدية الواجب الذى فرضته الظروف عليها، أو لعله قدرها والذى أرغم هؤلاء الجنود على الدخول فى حرب ليس لهم فيها ناقة ولا جمل، حربا هم ليسوا طرف نزاع فيها...
ولكن حقيقة الأمر أن الأطراف الحقيقية لتلك الحرب السياسية الدائرة والتى أصبحت معروفة للجميع، لا تقع حيث أماكن الاشتباكات أو الغازات المسيلة للدموع أو حالات الكر والفر التى نراها دائما أو نسمع عنها.... أطراف النزاع مكانها الحقيقى هو مكان آخر حيث تجد فيه البزات ( البدل ) الفاخرة والقاعات الفخمة والمكيفة، بعيدا عن جو القاهرة و باقى مدن مصر القارصة البرودة، والتى يقتل قروصة برودتها الكثيرين، ربما يكونوا أكثر ممن يقتلون بالرصاص - أو هم كذلك بالفعل.
أطراف تلك الحرب هو ذلك النظام الذى أخذ عهدا على نفسه ألا يسمع وألا يرى، والذى عجز عن احتواء الأزمة كما فعل أسلافه. أما الطرف الآخر فهى تلك الوجوه التى كنا نتحدث عنها، والتى أصبح شغلها الشاغل هو إدارة تلك الحرب الخاسرة لكلا الطرفين، فكلا الفريقين مهزوم فى هذه المعركة. لقد ابتدعها هؤلاء ظنا منهم أن القدر سيبتسم لهم وأن الظروف سوف تتاح لهم ليتمكنوا من اقتناص تلك الفرصة الذهبية والوصول إلى غايتهم، فتكون النهاية المزيد من القتلى والمزيد من الدماء التى تسيل، بل بحور الدماء التى لا تتوقف أبدا..
لنعاود الحديث مرة أخرى عن تلك الأطراف الدخيلة أو الخفية أو الأطراف التى تسعى لخراب مصر وتدميرها سواء بمخططات داخلية أو خارجية. حقيقة الأمر أن ما يفعله هؤلاء الساسة يجعل المسافات بيننا وبينهم شاسعة ويجعلهم أبعد بكثير مما كانوا عليه فى السابق وليسوا السبب الأبرز ربما فى الخطر المحدق بمصر الآن، ولكن من هم أشد خطورة منهم هى تلك القيادات والتى تسمى بـ" القيادات الثورية " والتى أخذت على عاتقها استكمال الثورة التى لم تبدأ حتى الآن والحفاظ عليها ولكن بطريقتها الخاصة...فقد أباحت بعض هذه القيادات الخروج عن النص وفى أحيان كثيرة الخروج عن القانون رخصة لها فى مواجهاتها الدامية والمستمرة مع النظام أو بالأحرى مع أيادى النظام الباطشة كما يطلقون عليها والمتمثلة فى وزارة الداخلية.. لقد استباح هؤلاء كل ما يحدث من تخريب وتدمير ظنا منهم أنها أنسب وسيلة لإخضاع هذا النظام وتحقيق مطالبهم. وكأن مصر أصبحت رهينة فى يد هؤلاء يتحكمون فى مصيرها كما يتحكمون فى مصائرنا جميعا وهم بذلك على حق، وليس لأى شخص مهما كان الحق فى إبداء اعتراضه أو حتى انتقادهم وانتقاد الأسلوب الذى اتبعوه من اجل الوصول إلى غاياتهم، فمن يفعل ذلك فقد خرج عن شرعية الثورة والثورية ويصبح من يستنكر عملهم خائن أو عميل للنظام الحالى أو حتى السابق.
ولن يكون الأمر شاق عليهم فهناك دائما من يتكفل بتبرير هذا التطاول أو ذلك التجاوز من أذيالهم فى الإعلام والذى أبدع فى تلونه طوال العامين الماضيين، وكما وصل الحال بتلك القيادات " الثورية " إلى حد التطاول بل والتجاوز فى حق قادة جيش مصر وضباطه وجنوده البواسل بسبب ربما سوء إدارة المجلس الأعلى للقوات المسلحة للمرحلة الانتقالية...لا نستبعد عن الكثيرين منهم الآن تلك المزايدات على دماء الشهداء وحقوقهم واستغلال سوء إدارة النظام الحالى وتواضعه الشديد حيال تلك الأزمات التى تمر بها مصر الآن وغضب الشارع المصرى من كل هذا، ليخرج هؤلاء غاضبين صارخين لا يرون أمامهم غير ذلك الطريق الذى يسلكونه فى كل مرة دون تفكير وتكون - كالعادة - الثورة والدفاع عن الحرية هى الواقى لهم من كل هذا دون أن يدرى هؤلاء ولو لمرة واحدة الحال التى وصلت إليه الثورة لدى الشارع المصرى وكره الكثير من المصريين لها يوما بعد يوم نتيجة ذلك التسرع وذلك الغضب الأعمى والذى أعماهم بالفعل عن كل شىء من حولهم.
لم يعد الهدف الآن لدى الكثيرين من أبناء هذا الوطن كما كان فيما مضى (الثورة من أجل الثورة) ولكن أصبح الكثير والكثير منهم يأمل فى انتهاء تلك الحرب السائرة والدائرة على أرض مصر ووقف نزيف الدم والذى لم يعد يقوى أحد على احتماله.
حفظ الله مصر شعبا وجيشا ووقاهم شر الفتن والملاحم.
سارة خليل تكتب: الحرب السياسية.. وأطراف المواجهة
السبت، 09 فبراير 2013 12:10 م
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة