كتاب الأستاذ عبدالعظيم حماد رئيس تحرير الأهرام السابق يغرى بقراءته. فالرجل صحفى كبير وله كتب سابقة هامة بعضها مترجم وبعضها مؤلف وله رحلة طويلة فى عالم الصحافة. عالم الأسرار. وشغل منصب رئيس تحرير الأهرام فى فترة هامة بعد ثورة يناير. والأهرام جريدة قريبة دائما من السلطة، ومن صناع القرار، يقال عنها دائما أنها الجريدة الرسمية رغم أن الجريدة الرسمية هى الوقائع المصرية، لكن يقال ذلك عن الأهرام لهذا القرب الذى أشرت إليه، وخاصة بعد ثورة يوليو 1952 وحتى الآن. ما يقوله الأستاذ عبدالعظيم حماد عن الميدان والثورة ليس هو الذى يغريك فهو يراه على طبيعته كما رآه الثوار ويرى الثورة كما رأيناها جميعا نقطة فاصلة فى تاريخ مصر، لكنك كقارئ لابد أن تنتظر الكثير مما لا تعرفه عن المجلس العسكرى وعن الإخوان المسلمين. للمجلس العسكرى هنا المساحة الأكبر. ستعرف كيف كان العسكر تحت قيادة مبارك لا يمكن لهم إظهار أى نوع من الامتعاض فما بالك بالتمرد. والقيادة للجيش تحت هذا الرعب أو الخوف من مبارك، وستجد الكثير من الوقائع التى كانت تضع الجيش فى مكان واحد هو الحفاظ على الشرعية. ومن ثم لم يفكر أبدا رجل كالمشير أن تؤول إليه سلطة الرئاسة، خاصة وقد ترك لهم مبارك الحكم بشكل غير دستورى، فالدستور ينص على أن تكون السلطة فى حالة تركه الحكم لنائبه أو رئيس المحكمة الدستورية. وستجد كيف فات المجلس العسكرى أن يتيح الفرصة لمبارك باتفاق مكتوب أن يخرج من الحكم بلا حساب، مما اضطرهم أن يخضعوا مضطرين لمطالب الثورة بمحاكمته وغير ذلك كثير من ارتباك المجلس العسكرى أمام الصحافة وبتفاصيل ووقائع كثيرة، وطبعا ارتباك أمام الثورة التى لم يكن الإخوان والسلفيون من صناعها. إذن كيف آلت إليهم بعد ذلك. هذا سر إطلاق عنوان الثورة التائهة. كيف تسربت الثورة من أيدى صناعها إلى مثلث المجلس العسكرى وجماعة الإخوان المسلمين والقوة الأجنبية صاحبة الكلمة فى شؤون مصر. أمريكا طبعا. عن هذا يجيب الكتاب من خلال تجربة الكاتب كرئيس تحرير والضغوط التى كان المجلس العسكرى يمارسها عليه وعلى الصحيفة من الترهيب إلى الترغيب بالمال. ويعود فى تشخيصه لوضع المجلس العسكرى إلى بعيد ليقدم غرق العبارة السلام 97 عام 2006 مثالا على الاستقلالية المظهرية للقوات المسلحة، التى قد تنتهى بها إلى تقاعس وراءه عدم قدرة وزير الدفاع أو رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، طنطاوى، على إيقاظ مبارك فى منتصف الليل ليأخذ منه الأمر بالتحرك لإنقاذ الغرقى. ما لم يقله أن ذلك سيساوى موقعه. وهكذا كان انتظار قدرة التحرك مع الثورة وعلى قدر حركتها ومطالبها من المجلس العسكرى أمرا صعبا لم يتعودوا عليه أو يقتربوا منه. وعلى هذه الطريقة كان تعاملهم مع جماعة الإخوان والفرق الإسلامية عموما فرغم تأكيدات الفريق عنان عن مدنية الدولة التى لن يفرطوا فيها واللقاء الكبير الذى ضم اللواءات الثلاثة العصار والملا وعثمان مع رؤساء الصحف فى الرابع من إبريل عام 2012 وطمأنة الجميع أنه لا صفقة بين القوات المسلحة والجماعة وأنه لن يسمح أن تكون مصر إيران جديدة أو غزة جديدة، رغم ذلك فقد انتهت الأمور إلى ما كان متخوفا منه، وكانت اللحظة الأولى للسقوط هى الرجوع عن وثيقة السلمى من حكومة شرف ومن المجلس العسكرى، وطبعا كانت فرق الإسلام السياسى ضدها وخرجت فى الميادين، وكان شباب الثورة معهم لأن الوثيقة تعطى الجيش ما لا يجب من مزايا. ولم يكن شباب الثورة ولا الثورة تدرك حجم ما يخبئه الإخوان من اتفاق أن يفعلوا ذلك للجيش وحدهم. وفى انتخابات الرئاسة بدأ استسلام المجلس العسكرى للنتيجة وإشاعة فوز شفيق لم يكن مقصودا بها إلا أن يحصل المجلس العسكرى على مكاسب أكثر من الإخوان الذين قدموا تعهدات لواشنطن بعدم إقامة دولة دينية فى مصر وبالالتزام الكامل باتفاقية السلام مع إسرائيل، وكان الذى حمل هذه التعهدات إلى واشنطن هو الرئيس الأسبق جيمى كارتر. مسألة الدولة المدنية لاتهم أمريكا فى شىء. المهم هو أمن إسرائيل. ولا يهم ما سيحدث بعد ذلك من عنف من الجماعات الإسلامية تجاه الثورة والمجتمع مما نراه الآن. لقد عاد المجلس العسكرى إلى مكانه. الحفاظ على الشرعية. وليس مهما أن الشرعية الجديدة تتطور إلى عنف غير مسبوق. فحسن البنا حين دعا إلى تكوين جماعة الإخوان لم يكن يدرى أنها ستنتهى إلى فرق اغتيالات. وهو ما انتهى اليه الإخوان بسرعة بعد شرعية الصندوق. مطمئنين إلى جيش عاد إلى مكانه القديم، حماية الشرعية، وإلى أمريكا التى همها الأكبر وجودها فى المنطقة وأمن إسرائيل.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة