طالعتنا بعض الصحف بخبر يفيد بأن لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس الشورى عقدت أولى جلساتها لمناقشة مشروع قانون تنظيم التظاهر السلمى.
وإذا كنا نرى أهمية وجود تشريع يضع الضوابط الدقيقة اللازمة لممارسة الحق فى التظاهر غير أننا فى ذات الوقت نشترط ألا يؤدى تنظيم هذا الحق إلى تحريمه كلياً أو العصف به.
فالحقيقة التى لا مراء فيها أن النظام القانونى فى أى دولة يقوم فى الأساس على إحداث التوازن بين الحقوق والحريات من جهة، وبين المصلحة العامة من جهة أخرى، ويتحقق هذا التوازن من خلال الحماية التى يوفرها النظام القانونى للجهتين.
والواقع أن المشرع فى سبيل حمايته للحقوق والحريات يراعى إحداث التوازن بين هذه الحماية وبين ما يتمتع به الغير من حقوق وحريات من ناحية، وكذا التوازن بين هذه الحماية وبين المصلحة العامة التى تتجسد فى النظام العام من ناحية أخرى.
ويقتضى النظام العام تقييد حرية الأفراد من خلال سياسة التجريم والعقاب، ويتحقق ذلك إذا ما اقتضته الضرورة الاجتماعية، وبمعنى أدق ضرورة حماية المجتمع بوصفها مصلحة عامة.
ومن الأخطاء التى يقع فيها المشرع فى أى نظام أن يبالغ فى استخدام السلاح العقابى دون وجود ضرورة ملحة تقتضى استخدامه، وفى هذه الحالة يتعرض الأفراد لمخاطر التجريم والعقاب نتيجة عدم قيام المشرع بوضع ضوابط دقيقة تحافظ لهم على التوازن المطلوب بين مقتضيات حماية حقوق الغير وحرياته، ومراعاة المصلحة العامة وحماية الحقوق والحريات بصفة عامة.
وإزاء ذلك لا يجوز بأى حال أن يكون التوازن الذى يجب أن يقوم به المشرع بين الحقوق والحريات من جانب، وبين المصلحة العامة من جانب آخر، وسيلة للعصف بالحقوق والحريات أو مدخلاً لحرمان المواطنين منها بصورة غير منطقية أو على نحو يسوده التحكم والتشدد، الأمر الذى يتطلب من المشرع أن يعمل على إيجاد تناسب بين قدر المساس بالحقوق والحريات العامة والمصالح المحمية التى تبرر هذا المساس.
ويؤكد الفقه الجنائى على أن الضرورة فى التجريم تتحدد فى ضوء الهدف منه، فلا يمكن السماح بالمساس بالحقوق والحريات من خلال التجريم إلا إذا أقتضى ذلك تحقيق هدف أسمى يتمثل فى حماية المصلحة العامة أو حماية الحقوق والحريات التى تتعرض للضرر أو الخطر، وتكون فى نظر المشرع جديره بالحماية بواسطة التجريم والعقاب، فارتباط التجريم بالهدف من نصوص التجريم هو أساس الضرورة ومحورها، فالحقيقة أن القاعدة القانونية لا تكون ضرورية بوجه عام إلا إذا وضعت لمعالجة وضع معين فتعالجه على نحو كاف وبدون مبالغة أو تجاوز.
وبعبارة أخرى تفترض الضرورة التى تلجئ المشرع إلى تجريم سلوك معين أن التجريم ودرجته يتناسبان مع الهدف من هذا التجريم، فيجب مراعاة تحقيق التناسب بين الحقوق والحريات المحمية والتى يلحقها الضرر، وبين ما يتعرض له من يلحقه المساس بهذه الحقوق والحريات من أخطار بسبب هذا التجريم كما يجب أيضاً أن تكون العقوبات المقرره متناسبة مع الهدف من التجريم.
ولهذه الأسباب ندعو مجلس الشورى الذى يتولى مهمة التشريع فى الوقت الراهن ألا يتعسف فى استخدام سلطته فى التجريم عند تنظيم حق التظاهر، كما يجب أن يكون العقاب الذى سيقرره بالقدر المتناسب الذى يجعله مفيداً فى الدفاع عن مصلحة المجتمع ، فليس الهدف من وراء العقاب هو تحقيق الانتقام ولا تكفير المذنب، وإنما يتمثل فى الحيلولة دون وقوع جرائم جديدة فى المستقبل، وفى حالة مخالفة ذلك سوف يصبح قانون تنظيم التظاهر السلمى مشوباً بعيب عدم الدستورية.
د. أشرف إسماعيل عزب يكتب: المساس بحق التظاهر مرفوض
الأربعاء، 06 فبراير 2013 01:22 م