جلس على حافة سريره واجمًا يتذكر ما حدث معه اليوم، فقد اختلف هو وصديقه على أمر تافه، وبدأت بينهما مناقشـة عادية سرعان ما تحولت إلى جدل، والجدل تحول إلى شقاق، وسرعان ما تطور الموقف وتشابكت الأيدى، وتدخل بعض الأصدقاء وانفضت المشاجرة، وقد أقسم كل منهما على مقاطعة الآخر، تذكرا كل ذلك فى ثوانٍ، وكيف أن سبب الخلاف أهون مما حدث ويحتمل اختلاف الرأى!
وهكذا نحن أمة فى أغلب أحوالها تفتقر إلى ثقافة الاختلاف.
الاختلاف سنة كونية من سنن المولى عز وجل، بداية من اختلاف الليل والنهار، والفصول الأربعة، واختلاف ألوان البشر وطبائعهم، واختلاف الأشجار والنباتات والفواكه، واختلاف المياه، كل شىء فى الكون قائم على الاختلاف.
اختلف الأئمة الأربعة فى تفصيلات مذاهبهم ورغم كل ذلك احترم كل منهم مذهب الآخر، حتى قال بعضهم: "رأيى صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب"، فقد كان لديهم إيمان بثقافة الاختلاف.
أما نحن فنفتقر إلى ثقافة الاختلاف.. ففى الرياضة مثلاً تجد مشجعى الأهلى أعداء لمشجعى الزمالك.. وفى السياسة كل حزب هو عدو للآخر.. وفى الإدارات كل مسئول يندد بسابقه وطريقة عمله.. وفى الدين كل متعصب لمذهب عدو للمذهب الآخر.. وكل جماعة تكفر الأخرى.. وفى الأجيال كل جيل يكفر بقدرات الجيل الذى سبقه ويحتقر الجيل الذى يليه.
وثقافة الاختلاف لن تولد فى يوم وليلة ولكنها تنمو مع شخصية المجتمع، تنمو داخل كل فرد فيها ولكنها لكى تنمو تحتاج إلى من يرويها داخل الأسرة والمدرسة، والجامع والكنيسة، تحتاج أن نزرعها داخل أولادنا، نعلمهم أن اختلاف الرأى لا يفسد للود قضية، والاختلاف يصل بنا إلى التكامل، كاختلاف ميولنا فى التعليم فأنا أريد أن أصبح طبيبًا، وأنت تريد أن تصبح صيدليًّا، وهكذا... ومن هنا نتكامل جميعًا، أنت تريد أن تشجع الزمالك وأنا أريد أن أشجع الأهلى، فمن هنا تولد حلاوة للتشجيع، أنت تريد أن تفتح مطعمًا وأنا أريد مزرعة.. من هنا نتكامل . أنت تـريد أن تنتمى لحزب سياسى معين وأنا أفضل حزبًا آخر.. من هنا نتكامل.
تختلف الأجيال فى الثقافة والفهم، ليكمل كل جيل ما بدأه سابقه، ويقوِّم السلبيات وينمى الإيجابيات.
نختلف فى مذاهبنا الدينية لكن دون ابتداع.. نختلف فى التفصيلات التى جاز الاختلاف فيها دون المساس بقواعد الدين الراسخة، نختلف فى توجهنا السياسى لبناء الوطن لا لهدمه.
إن الاختلاف سنة كونية، فانزع ما بداخلك من غل لمن خالفك الرأى؛ لعله هو الصواب، بل لعلكما جميعًا على صواب.. أو على خطأ.
أيها القارئ الكريم لعلك تختلف معى فيما قلت لكنى أبدًا لن أغضب منك فلعلك أنت الصواب وأنا الخطأ.
اجلس معى وحاورنى، كل يسرد رأيه ويدافع عنه، لكن دون أن نبخس حق الآخرين فى الدفاع عن آرائهم.
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة