إننى أعتبر البشرية كلها تعيش اليوم أزمة حوار حقيقى، وأتصور أن كثيرا من المشاكل والصدامات الدامية التى تدفع البشرية ثمنها، كان ممكنا أن تتجنب أصلاً أو يخفف أثرها أو تقل سلبياتها لو لجئ إلى الحوار، واستنفذت أغراضه ووسائله.
أقتبس من وثيقة الأزهر بالأمس القريب بندها الرابع فى مبادرة حلا الأزمة اعتماد الحوار كوسيلة لحل الخلافات
فالحوار هو أعلى المهارات الاجتماعية قيمةً، وتُعرَف قيمة الشىء بمعرفة قيمة المنسوب إليهم،
والحوار هو عمل الأنبياء، والعلماء، والمفكرين، وقادة السياسة، ورجال الأعمال، والمربين
وهو أساس لنجاح الأب مع ابنه، والزوج مع زوجه، والصديق مع أخيه، والأمة الناهضة هى الأمة التى تشيع فيها ثقافة الحوار بين أبنائها، وكلما ابتعدت الأمة عن فتح آفاق الحوار عانت من الأمراض الاجتماعية وتشرذمت وضعفت وسأخاطب اليوم بمشيئة الله جل وعلا جموع المصريين لنبذ الفرقة ولكى لا نرى (كل حزب بما لديهم فرحون).
تعالوا نتعلم فن الحوار: المحاولة والخطأ: وهى طريقة أكثر شيوعاً، وأطولها وقتاً، وتعرضك لمخاطر أن تجرب طرقاً غير سوية ثم تكتشف خطأها، ولكنها أساسية فى تكوين الخبرة الإنسانية.
لابد وأن يكون هناك حوار متكافئ الطرفين: يحترم فيه كل طرف الطرف الآخر ولا يستعلى عليه.
يفتح باب المحبة، ويقلل من مساحة الخلاف وليكن منطلقك فى كل حوار: البحث عن الحق لأتباعه ولابد لكل حوار من مرجعية، وإلا تحول إلى جدال مذموم.
لنبدأ فى كل حوار بالمساحة المشتركة بينك وبين الآخر، ولا تقفز إلى المختلف فيه أولاً.
-اعتمد مبدأ النسبية، وشعاره قول الإمام الشافعى: "قولى صواب يحتمل الخطأ وقول غيرى خطأ يحتمل الصواب.
- الإسلام دين الحوار
الحوار منهج قرآنى فقد كلم الله ملائكته واستمع منهم "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّى جَاعِلٌ فِى الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ" وكذلك رسله "وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِى وَأُمِّى إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ" وحتى مع الكافرين "قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِى أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى"
وحتى مع إبليس "قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِى مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ"
والقرآن ملىء بمحاورات الرسل مع أقوامهم "قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِى اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ" وتأمل حوار إبراهيم عليه السلام مع مدعى الربوبية "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِى حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِى رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّى الَّذِى يُحْيِى وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِى وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِى بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِى كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"
-وحوار موسى مع فرعون مدعى الألوهية والربوبية فى سور عديدة فى القرآن وكذلك بقية الرسل عليهم صلوات الله وسلامه حيث يحاورون أقوامهم بالحكمة لدعوتهم إلى الله وبيان الحق لهم والرد على شبهاتهم.
-وهـذا القـرآن يحكى حـوار النبى – صلى الله عليه وسلم- مع امرأة "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا وَتَشْتَكِى إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ"
-وحضارتنا الإسلامية على مدى التاريخ هى حضارة الحوار فقد حاور علماء المسلمين كافة أهل الملل والنحل بالمنهج القرآنى والدعوة إلى الخير.
