معصوم مرزوق

ماذا لو أخطأ الرئيس؟

الأحد، 03 فبراير 2013 12:15 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أثارت الأزمة الناشئة بين نظام الحكم فى مصر ودولة الإمارات العديد من الأسئلة حول الموقف الذى ينبغى أن تتخذه وسائل الإعلام المصرية، هل تدافع بالحق وبالباطل عن سياسة حكومتها الخارجية، أم تتناول بشكل نقدى تلك السياسة، وهل يجوز لها أن تتبنى وجهة النظر الأخرى؟ وهو موضوع مهم يتعلق ليس فقط بمهنة الإعلام، وإنما بالعلاقة بينها وبين سلطة صنع القرار.
بداية يجب أن نحدد ما هو دور الإعلام؟ وما الذى تريده الحكومات من الإعلام؟ وما هى العلاقة بين الطرفين؟ كل هذه الأسئلة تدور فى الذهن حين يتصفح المرء صحيفة أو يتابع محطة تليفزيونية كى يتفهم السياسة الخارجية لبلاده، ولا توجد إجابات سهلة لأن كل طرف منهما له شكله التنظيمى الخاص وأدوات وأهداف مختلفة.. من حيث المبدأ، يعد واجب الإعلام الحر هو الحفاظ على التوازن ما بين الخطاب الحكومى، والآراء المحايدة التى تتناول هذا الخطاب بالتمحيص والتحليل، بما يساعد الرأى العام على تكوين فكرة صحيحة عن الموضوعات المطروحة، ويبدو أن ذلك المبدأ يتعذر فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، فقلما يتخذ الإعلام الوطنى فى أى دولة هذا الصراط المستقيم، بل تتحول وسائل الإعلام فى الغالب إلى أبواق مرددة ومكبرة للخطاب الرسمى، بلا أى محاولة لإفساح مساحة لرأى مخالف أو نقدى.
مثال على ذلك أنه فى صبيحة اليوم التالى لهجمات الحادى عشر من سبتمبر 2001 على أمريكا خرج الرئيس جورج بوش كى يعلن: «أن الهجمات المدبرة الوحشية التى تمت أمس على بلدنا، كانت أكثر من مجرد عمليات إرهابية، بل هى حرب.. حرب بين الخير والشر»، ثم أعاد الرئيس الأمريكى ذلك فى خطابه عن حالة الاتحاد عام 2002، حيث كرر كلمة «الحرب» 12 مرة، وكلمة «الشر» خمس مرات، ولقد تلقفت وسائل الإعلام الأمريكية هذه المصطلحات واستخدمتها بكثافة، بل وصل الأمر بمذيع مخضرم فى محطة سى بى إس مثل دان راذر «كان عمره وقتها سبعين عاما» أن يقول بحماس علنا وعلى الهواء أنه: «كأمريكى على استعداد للوقوف خلف الرئيس حتى ولو استدعى الأمر أن أرتدى الزى العسكرى!!». ولقد ناقشت آنذاك أحد السفراء الأمريكيين فى هذا مبديا دهشتى من هذا الانحياز الأعمى لسياسة الحرب التى أعلنها الرئيس قبل انتهاء التحقيق فى الأحداث نفسها، وعن فقدان المهنية فى مذيع مخضرم مشهور، فقال لى مبتسما: «ألم تقرأ صحيفة اللوموند الفرنسية.. إن المانشيت الرئيسى فى صفحتها الأولى يقول: كلنا أمريكيون».
ومن واقع دراسة ذلك فى مختلف دول العالم، تبين أن العلاقة بين السلطة والإعلام فيما يتعلق بالسياسة الخارجية تترواح بين قطبين، أحدهما هو «السيطرة»، والآخر هو «حجم التسريبات من داخل الجهاز الحكومى»، والسيطرة تتمثل فى احتكار السلطة للمعلومات وحجبها عن وسائل الإعلام، أما القطب الآخر المتمثل فى «التسريبات» فهو ينتج فى الغالب من صراعات داخل دولاب الحكومة نفسها، حين يرى بعض المسؤولين أن وجهة نظرهم لم يتم الأخذ بها، أو إذا أراد بعضهم لأسباب شخصية أن يحرج رئاسته، كما يمكن للحكومة نفسها أن تستخدم التسريبات لأغراضها، ولقد اعترف هنرى كيسنجر فى مذكراته أنه كان يستخدم أسلوب التسريبات الصحفية كبالونات اختبار لسياسة جديدة، أو لقياس رد الفعل الدولى لاتجاه معين.. ولكن حتى فى حالة التسريبات يكون الإعلام تابعا لكمية ونوعية واتجاهات المعلومات التى يتم تسريبها، ويمكن ملاحظة أن الحكومات تسعى بكل الطرق لتطويع الإعلام كى يتبنى أهداف سياستها، ويأخذ ذلك غالبا إطارا تحدد فيه الحكومة أو متحدثها الرسمى مثلا أثر عمل عدائى من قوة خارجية، وتضع له التكييف والمصطلح المناسب «عمل إرهابى مثلا»، ثم تربط بين هذا الأثر والمتسبب فيه «جماعة متطرفة بعينها مثلا»، وتقدم تحليلا أخلاقيا يتضمن استنكار هذا العمل وتصبغ عليه الأوصاف والمصطلحات التى تريدها أن تلصق كصورة ذهنية لدى الرأى العام، وبعد ذلك تطرح المعالجة السياسية التى تراها الحكومة مناسبة «شن الحرب مثلا».. وهكذا تضع للإعلام الإطار الذى يتحرك فيه، والمصطلحات المستخدمة بشكل لا يترك مساحة لأى رأى خارج هذا الإطار.
وفى الواقع يصبح الخروج عن الإطار الذى ترسمه الحكومة لسياستها الخارجية بمثابة خيانة أو عدم وطنية، ويصبح الإعلام فى مأزق حقيقى، فهو لا يملك من المعلومات إلا ما تتيحه الحكومة، وإذا حاول التسلل للحصول على معلومات أخرى فإنه ينتهك القانون الخاص بسرية المعلومات الذى تحتفظ به أغلب الحكومات خاصة ما يتعلق بالسياسة الخارجية والدفاع والأمن، وإذا اعتمد على قدح الذهن فى التحليل ومحاولة الاستنتاج فإنه يواجه بمعارضة شديدة داخل قطاع واسع من الرأى العام، خاصة إذا تناقض هذا التحليل مع الإطار العام الذى تطرحه الحكومة، ومن نافلة القول أن أى تحليل لا يستند إلى معلومات حقيقية يفتقد إلى المصداقية، ويمكن هدمه بسهولة، هل يعنى كل ذلك محدودية الدور الذى يلعبه الإعلام فى السياسة الخارجية للدول؟.. يرى البعض أن ذلك ليس صحيحا على إطلاقه، فعلى الأقل يقوم الإعلام بدور مؤثر فى حشد الرأى العام لدعم توجه سياسى معين للحكومة، وخاصة حين لا تلقى هذه السياسة التأييد الكافى من أغلبية الشعب، وأبرز مثال على ذلك هو اتفاقية السلام مع إسرائيل، فقد لعب الإعلام دورا فعالا لمساندة سياسة السادات، وتبدو خطورة وأثر هذا الدور أن التوجه الذى اتخذه السادات كان متناقضا بشكل حاد مع ثوابت السياسة الخارجية المصرية لما يزيد على نصف قرن، ويتعارض المزاج العام للشعب المصرى، بل يجد معارضة واسعة على أساس أن هذا التوجه يهدد الأمن القومى المصرى على المدى البعيد.. وهناك من يرى أن دور الإعلام الوطنى فيما يتعلق بالسياسة الخارجية للدولة يجب ألا يزيد على دور المذيع الأمريكى المخضرم دان راذر، أى أن يتم تجنيده بالكامل كى يقف خلف الرئيس.. ولكن المشكلة هى.. ماذا لو أخطأ الرئيس؟









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 3

عدد الردود 0

بواسطة:

علي النبوي

الرئيس مش معصوم

عدد الردود 0

بواسطة:

الدكتور محمود مراد

عادى جدا

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عبد الله

دور الاعلام

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة