أثار مشهد سحل مواطن من قبل أفراد الشرطة غضب الكثيرين مؤكدين أن هذا يعد انتهاكا صارخا لكرامة المواطنين، وطالب الجميع بسرعة تقديم الجناة إلى التحقيق، ولكن المفاجأة أن المواطن المسحول أكد أن أفراد الشرطة هم الذين قدموا له الحماية، وهو ما جعل ابنته تخرج على الشاشات لتؤكد أن والدها، قد تم الضغط عليه من قبل أفراد الشرطة.
"اليوم السابع" سأل علماء الأزهر الشريف عن حكم الشرع فى تهديد مواطن لتغيير شهادته، وقال الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى السابق بالأزهر الشريف، أن الله تعالى يقول: "ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه"، وأضاف الأطرش أنه فى هذه الحالة تعتبر قول زور وكان النبى صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه فقال ذات يوم ألا وقول الزور ألا وقول الزور ألا وقول الزور وظل يرددها حتى قلنا ليته سكت، والله تعالى يقول: "فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور"، فالذى يهدد إنسان ويجبره على تغيير شهادته إنما هو قائل الزور نفسه والنبى صلى الله عليه وسلم قال: "من طلب رضا الناس بسخط الله سخط الله علية وأسخط عليه الناس، ومن طلب رضى الله رضى الله عنه وأرضى عنه الناس".
وأوضح الأطرش أنه ليس هناك أبشع ولا أشنع من قول الزور، حيث قال صلى الله عليه وسلم: "إن الطيور لتضرب بمناقيرها وتحرك أذنابها من هول الموقف ومن شدة قول الزور"، وجعل النبى صلى الله عليه وسلم قول الزور من أكبر الكبائر قال صلى الله عليه وسلم ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قالوا بلى يا رسول الله قال: "الإشراك بالله وقتل النفس التى حرم الله قتلها إلا بالحق وعقوق الوالدين وقول الزور" وظل يرددها حتى قال الصحابة ليته سكت، فجعل النبى قول الزور مشابها للإشراك وقتل النفس، وقول الزور يضلل العدالة ويجعل المتهم برىء، والبرىء متهم ويضلل القضاء والأمة التى ينتشر فيها قول الزور أمة ليست بمسلمة وهلاكها محقق، ويقول الله عز وجل: "وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذى قربى" أى لو كان المقول عليه ذا قربى، والذى يغير شهادته إنما هو قائل زور والذى يجبره على ذلك هو مثله بل أشد لأنه هو الذى أجبره على ذلك، فيتحمل وزر نفسه ووزر من أجبره على ذلك.
من جانبه قال الدكتور سعد الدين الهلالى، أستاذ الفقه المقارن، بجامعة الأزهر، أن التهديد يرفع التكليف شرعا لقول النبى "رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"، والمكره حسابه بنيته، فالأمر يرجع إلى النية، وصاحب الإكراه لو قال الخبر عن نفسه ثم أراد أن يغير أقواله فإن الشرع لا يمنعه من أن يغير أقواله احتراما لأدميته وإنسانيته عند الجمهور فممارسة الإكراه على الغير نوع من الكره والظلم والظلم محرم، والذى سيحاسب عنه العبد يوم القيامة.
وقال الداعية أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، "التشريع يقرر مبادئ عدم إكراه الغير على أن يقول أو يفعل ما ينافى إرادته ونهى والنبى نهيا جازما عن التأثير على الإنسان مهما كان فلما جاء بن عباس رضى الله عنهما إلى النبى، وقال أريد أن أشهد فأخذ بيده وأشار إلى الشمس، وقال له أترى هذه الشمس قال نعم قال على مثل ذلك فاشهد ومن هنا يتضح أن الإسلام يعول على الاختيار والرضى أو بما يعبر عنه بالإيجاب والقبول فى فقه المعاملات ويمنع طمس الحقائق، وإلا كان قول زور لقوله تعالى "اجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور".
ولا يوجد أى مبرر للشريعة الإسلامية لحمل الناس على ما يكرهون وعلى ضوء هذا فمن أكره الغير على تبديل شهادته يتحمل الأثم والتبعة والتأثير على الناس فى أداء الشهادات قول زور وتدليس ومناهضة لشرع الله عز ووجل.
وكان الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر قد أصدر بيانا مساء أمس، تعليقا على أحداث العنف التى تشهدها البلاد وواقعة سحل متظاهر أمام الاتحادية، أكد فيه أنَّ الأزهر الشريف يَرفضُ بقوةٍ ويَدين انتهاك كرامة الإنسان تحت أى مبرِّر، تلك الكرامة التى قرَّرها الله سبحانه فى قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا}.
وأضاف الطيب فى بيانه، أنه فى الوقت الذى يئنُّ فيه وطننا العزيز من شدَّة الجراح، وفى الوقت الذى ينتظر فيه شعب مصر من حُكَمائها ورموزها الوصول إلى رأْب الصدع ولمِّ الشمل؛ للوصول بها إلى الاستقرار وتحقيق الأمن بكافَّة صُوَرِه، فى هذا الوقت الخطير داخليًّا وخارجيًّا، يُطالعنا هذا المنظر الغريب والخارج عن الدِّين والأخلاق الذى رأيناه فى وسائل الإعلام من سَحْلِ مُواطنٍ وكشْف عوراته، صادمًا بذلك ضميرنا الإنسانى، والأخلاقى، والشرعى.
وتابع: وإنَّ الأزهر الشريف إذ يُؤكِّد أنَّ التزام الجميع بنبْذ العُنف، واجبٌ شرعى والتزامٌ خلقى وقانونى، ليس من جانب الأفراد فقط بل من جانب مؤسَّسات الدولة جميعها وجهاز الأمن فى مقدمتها.
ويُطالب الأزهر الشريف سُلطات التحقيق القضائية بسُرعة تحديد المسئولين عن هذا الحادث المؤلم، والإسراع فى تقديم المتَّهَمين بارتكابه إلى المحاكمة العادلة العاجلة، وأيضًا سُرعة تحديد المسؤولين والمتورِّطين فى كافَّة أحداث العُنف والتخريب التى تتعرَّض لها المنشآت والممتَلكات العامَّة والخاصَّة، ومن ضِمنها ما تعرض له قصر الاتحادية بالأمس وتقديمهم إلى المحاكمة العادلة العاجلة.
ويهيب الأزهر الشريف بكافَّة رموز القوى السياسية المؤيِّدة والمعارضة تفعيل وثيقة الأزهر لنبذ العنف، والجلوس العاجل إلى مائدة الحوار ووضع مَعايير وضَمانات الحوار الجاد؛ باعتِباره الحل الوحيد للخروج من الأزمة الراهنة، والتِزام الجميع بنتائجه.
علماء الأزهر بعد قضية "المسحول": التأثير على شهادة الناس قول زور
الأحد، 03 فبراير 2013 04:39 م