معصوم مرزوق

اغتيال طه حسين!

الأحد، 24 فبراير 2013 05:17 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من الطريف أنه فى نفس اليوم الذى تجمعت فيه بعض جماعات تيار الإسلام السياسى فيما أطلق عليه «جمعة لا للعنف»، تتسلل مجموعة غامضة كى تنزع رأس تمثال لعميد الأدب العربى طه حسين، وكأنه تنفيذ لحكم قديم صدر عام 1926 عندما أصدر كتابه الشهير «فى الشعر الجاهلى» والذى استند فيه إلى المنهج الديكارتى فى البحث، فانتفض بعض المتأسلمين بادعاء الغضب للدين، رغم أن طه حسين نفسه قد كتب فى مقدمة كتابه أنه يتنبأ بذلك الهجوم، حين قال: «أنا مطمئن إلى أن هذا البحث وإن أسخط قوماً وشق على آخرين، فسيرضى هذه الطائفة القليلة من المستنيرين الذين هم فى حقيقة الأمر عدة المستقبل وقوام النهضة الحديثة».

ورغم أن القضاء المصرى الشامخ قد قضى آنذاك بتبرئة طه حسين من تهمة ازدراء الإسلام، إلا أنه ظل منذ ذلك التاريخ هدفاً لهجوم وافتراء بعض المتأسلمين الذين لم يقرأوا، وإذا قرأوا لا يفهمون، ولم يغفر له ما كتبه من كتب قيمة عن الإسلام مثل «الوعد الحق» و«مرآة الإسلام» و«على هامش السيرة» و«الشيخان» وغيرها من الكتب والأبحاث والمقالات التى ترجمت إلى لغات العالم، وقدمت صورة مشرقة للإسلام فى جوهره المتسامح بما خدم الإسلام بأضعاف ما يظن هؤلاء المتأسلمين أنهم يفعلون.

هؤلاء الذين كفروا طه حسين بسبب منهجه البحثى لم يقرأوا، وإذا قرأوا لم يفهموا الآية الكريمة «وإذ قال إبراهيم رب أرنى كيف تحيى الموتى، قال أو لم تؤمن، قال بلى ولكن ليطمئن قلبى»، فهذا الحوار بين رب العالمين وأبى الأنبياء إبراهيم الخليل، يعكس جانباً من المنهج الذى أرشدنا إليه الله سبحانه وتعالى فى القرآن الكريم، ولذلك ورد فى الصحيحين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن أحق بالشك من إبراهيم، إذ قال رب أرنى كيف تحيى الموتى، قال أو لم تؤمن، قال بلى ولكن ليطمئن قلبى»، ذلك منهج الانتقال من مرحلة علم اليقين إلى مرحلة عين اليقين كما قال بعض الفقهاء، أى أن ديننا قد أوضح هذا المنهج وأشار إليه قبل أن يتوصل إليه فلاسفة الغرب بمئات السنين.

وقد كانت هناك محاولة لقطع رأس رمز آخر من رموزنا وهو على قيد الحياة، ففى مساء 14 أكتوبر 1994 قام شاب موتور بطعن الأديب العالمى نجيب محفوظ فى رقبته، بناء على فتوى من بعض المتأسلمين بكفر نجيب محفوظ، وتبين فيما بعد أن هذا الشاب لم يقرأ سطراً واحداً للأديب الكبير، ورغم أنهم فشلوا فى قطع رأس الرجل، إلا أنهم واصلوا اغتيال سيرته بعد وفاته والطعن فى إسلامه حتى الآن.

لقد قامت فصائل طالبان فى مارس عام 2001 بتدمير تمثال بوذا فى باميان، بين صيحات التهليل والتكبير، وكأنها حققت انتصاراً مؤزراً، بينما بلادهم تعانى من الفقر والدمار، وكأن وجود هذا التمثال كان يعرقل مشروع النهضة الطالبانى.. لقد اختفى التمثال الأثرى الذى لم يكن أحد يعبده فى أفغانستان، ومع ذلك لم تتقدم أفغانستان خطوة واحدة إلى الأمام.
ترى ماذا يفعلون الآن برأس «طه حسين» وقد حققوا انتقامهم الرخيص من رجل ربما لم يقرأوا سطراً من سطوره، وإذا قرأوها لن يفهموها لأن قلوبهم غلف، بمعنى أنها مملوءة بعلم لا يحتاجون معه إلى علم آخر، إنهم لا يعلمون أن هذا الرخيص الذى قطعوه كان يحمل إشعاعات من العلم أضاءت لملايين الناس اللغة العربية التى هى لغة القرآن، ومهما فعلوا بهذا الرأس فإن تلك الإشعاعات تمكث فى الأرض نافعة للناس، بينما سيذهب زبدهم جفاء.
يجب أن يتنبه المجتمع إلى تلك التصرفات التى تتخفى تحت قناع كاذب من التدين، وتستغل بسطاء الناس كى تفرض على عقولهم أستاراً من الجهل والظلام، وتقذف بمنارات مصر إلى غياهب جب التاريخ، وحينها لن ينفع الندم.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 8

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عبد الله

نعم قلوبهم غلف

عدد الردود 0

بواسطة:

عبد الحق صالح

قهر ظلامه وأنار العالم

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عبد العال

رسالة في الطريق إلى ثقافتنا

عدد الردود 0

بواسطة:

زياد عبد الرحمن

تخلف متأصل

عدد الردود 0

بواسطة:

مؤمن العزبى

التكفير سهل والتفكير صعب

عدد الردود 0

بواسطة:

خالد الشيخ

الظلامية تغتال التماثيل والثقافة

عدد الردود 0

بواسطة:

جرجس فريد

عذرا و تحية

عدد الردود 0

بواسطة:

AHMED SOULTAN

من مصر في مدينة المنصورة

ولكن ماذا عن قصيدة هل كنت أعبد شيطانا للدكتور طه حسين وهل هو فعلا ملحد كما تقول بعض المواقع والبعض الاخر يقول أنه نصراني

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة