زياد محمود فهمى يكتب: حكاية قبل النوم

الجمعة، 22 فبراير 2013 02:28 م
زياد محمود فهمى يكتب: حكاية قبل النوم أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تمدد الطفل الأوروبى الأشقر ذو العيون الزرقاء فى فراشه وهو ينظر إلى أبيه الجالس بجانبه على طرف الفراش، وقبل أن يغلق الطفل عينيه طلب من أبيه أن يحكى له حكاية قبل النوم التى تعود أن يسمعها كل يوم بصوت أبيه الناعس الحالم الذى يحمله إلى عوالم لم يزرها من قبل، وقبل أن يبدأ الأب فى السرد قال الابن: "ولكننى أريدك أن تحكى لى قصة واقعية حدثت بالفعل، سئمت الحكايات الخيالية"، فقال الأب: "كما تحب يا صغيرى سأحكى لك اليوم عن بلد فى الشرق، بلد أعطاها الله سحرا لا يوجد فى مكان آخر، بلد يعيش فيه أهله الطيبون تحت مظلة الحكام الظالمين منذ آلاف السنين، وتسرق بلدهم منذ آلاف السنين وهم صابرون مبتسمون محتسبون، بلد قرر أهلها فجأة أن يثوروا على ظلم ونهب آلاف السنين، وطلبوا حقوقهم وواجهوا جبروت وظلم حاكمهم وزبانيته، وسقط العديد من زهرة شبابها غارقين فى دمائهم ليدفعوا ثمنا باهظا للحرية، بلد تصور أنه نال حريته عندما رحل حاكمه المستبد ورحل من بعده رجاله ذوى السترات العسكرية، بلد رجع شبابه ورجاله إلى بيوتهم ليشاهدوا نصرهم وغنائمهم وهى تقسم بين القبائل والفصائل.

عاش أهل البلد يشاهدون المغرضين والفاسدين والراقصين يعيثون فسادا على الأرض وعلى الشاشات ليتحدثوا عن كل ما لا يراه الناس ولا يعرفه الناس، سأحكى لك يا صغيرى عن تلك البلد التى اختارت أن تمثلها راقصة – لا تعرف كيف تكتب اسمها – فى المحافل الدولية وتتحدث باسمها وتناقش قضاياها وتركت من ظل يكدح أربعين عاما فى وظيفته يواجه الفقر والمرض والعوز والاحتياج بعد وصوله للمعاش، عن تلك البلد التى يشعر شبابها بأن وجودهم غير مرغوب فيه وأن مستقبلهم لا مجئ له، عن وجوه شاهت وعرفت طعم المساومات قديما، ومازالت تريد المساومة لتخرج بأكبر المكاسب، هؤلاء الذين يحبون طعم الثريد وامتطاء العبيد، سأحكى لك عن تلك البلد التى صحت فى الصباح لتجد قطارا قد التهم خمسين طفلا بريئا كل ذنبهم أنهم سلموا أنفسهم لكبار هذا البلد ليقودوا حافلتهم، تلك الحافلة التى أخذتهم إلى الآخرة بدلا من أن تساعدهم على الوصول إلى دنياهم الجديدة، تلك البلد التى بكت هؤلاء الملائكة فى الصباح ثم هللت فى الليل لفوز فريقهم بالكأس، تلك البلد التى لم يعد معظم أهلها يميزون بين الصادق والكاذب، المؤمن والكافر، الليبرالى والإسلامى، والعلمانى والحلوانى، غرق الكل فى عالم مضبب لا يميز فيه أحدهم شيئا، تلك البلد التى يكذب ساستها كما يتنفسون، ويتحدث فى السياسة فيها كل من هب ودب حتى لاعبى الكرة المعتزلين الذين أصبحوا بالصدفة اعلاميين.

سأحكى لك عن تلك البلد التى أعطت البراءة لمن قتل أولادها عيانا بيانا أمام الشاشات، تلك البلد التى تعيش النخبة فيها على قانون عاش الملك.. مات الملك، سأحكى لك عن الرئيس الذى يتربص به الجميع ويحاول هو إرضاء الجميع فلما فشل فى إرضائهم انقلب على الجميع!

سأحكى لك عن المليونيات والفضائيات والصفحات والفقرات.. والشباب الذى مات، سأحكى لك عن الشوارع التى تقطع والأسلحة التى ترفع، عن الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات الفئوية وقصر الاتحادية ومستشفى العباسية! عن إسلام وجيكا وإسرائيل وأمريكا وأبوتريكة وشيكا!

سأحكى لك يا صغيرى عن النهضة التى حلم بها الشعب ولم ير منها شيئا، عن التعليم الذى أضحى ذكرى قديمة، عن غزة التى قصفت وسيناء التى سرقت وضفيرة الطفلة التى قصت، عن نكاح الميتة وزواج الطفلة، عن مشروع الإسكان وما كان فى الإمكان، عن الكهرباء والغاز وطوابير البنزين والرغيف السمين والأحياء الميتين، سأحكى لك يا ولدى عن المواقع الإباحية والمساكن العشوائية والموارد المائية، والعدالة الاجتماعية، عن غياب الأمن وسعر السمن وانهيار الفن، عن الفلاح الذى ترك الفأس واستسلم لليأس، عن الأمراض المتوطنة والأغذية المسرطنة، سأحكى لك يا ولدى عن الرئاسة والقضاء وأبحاث مصر فى الفضاء، عن اليأس من الأحلام فى وطن جديد وغد مشرق، عن إدانة كل الأطراف لأنهم أضاعوا كل شىء ولم يعطوا الشعب أى شىء.

تنهد الأب فى حزن ثم سأل ابنه: "هل أعجبتك الحكاية يا ولدى؟"، فأجاب الطفل: "كلا يا أبى لقد طلبت منك حكاية حقيقية حدثت بالفعل، ولكنك حكيت لى مرة أخرى حكاية خيالية عن بلدة خيالية يستحيل أن تحدث بها كل هذه الأحداث".





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة