الكل شريك فى جريمة اغتصاب الاقتصاد المصرى، البداية كانت عقب أحداث ثورة يناير 2011 من خلال الاعتصامات، والإضرابات، والمظاهرات، والمطالب الفئوية المتعدده من هنا وهناك، فى كل ربوع مصر، فالجميع وإن كنت ألتمس لهم كل العذر لم يدركوا بأن البلاد منهكة من نظام ظالم جردها من كل شىء، سلب ونهب كل شىء حتى الأموال قام بتهريبها خارج الحدود، فحالة الاقتصاد المصرى، كما يصفها الأطباء لحالة خطيرة لمريض نسبة شفائه ضعيفة "حالة حرجة".
بالفعل اقتصادنا فى حالة حرجة جدا والسبب الرئيسى لذلك الصراعات السياسية الدائرة، والتى بلغت ذروتها بما نشاهده من عنف، وتخريب، وقتل، وحرق، وقطع للطرق وخطوط سكك حديدية، ومترو الأنفاق، وإغلاق مصالح حكومية مؤثرة مثل مجمع التحرير، والسطو على محلات وسرقتها والهجوم على منشآت حيوية وحرقها، كلها أمور تزيد الأمور سوءا – والغريب أن هناك من يدافع ويبرر لكل مايحدث تحت مسميات ساذجة عبيطة مثل "الغضب الشعبى، وحماس الشباب" على الرغم أن من يروجون ويقومون بهذه الأعمال قلة قليلة مأجورة لا تريد لمصر أمنا ولا أمانا وهذه هى الحقيقة، التى قد تغضب الكثيرين، والأغرب أن بعض وسائل الإعلام تروج لمثل هذه الأعمال بل وتساهم فى عمليات التحريض على التخريب سواء عن عمد أو عن جهل بميثاق الشرف الإعلامى، الذى أصبح مجرد شعارات وعبارات تردد فقط؟!
الأمور باتت تنهار من حولنا لكنها ليست النهاية، نعم فهناك صدع وثمة شقوق بين الأنقاض، ولكن يمكن أن نرى النور من تحتها؟ فهناك خلل واضح فى ميزان مصر التجارى مع التزيد المتواصل لحجم الواردات مقابل تراجع ملحوظ فى صادراتنا والالتزامات الخارجية للدولة، مما يمثل ضغوطا كبيرة على الجنيه، وهو ما حاولت الدولة معالجته من خلال أطروحات أذون الخزانة باليورو والدولار، وجذب ودائع بالعملات لأجنبية من دول مثل السعودية وقطر وتركيا- كما أن تراجع الجنيه قد يكون له إيجابيات تتمثل فى خفض قيمة الدين الداخلى ورفع تنافسية الصادرات، إلا أن ذلك سيمثل فى الوقت نفسه خطورة من ناحية زيادة معدلات التضخم وارتفاع أسعار الواردات فى ظل خلل الميزان التجارى، بالإضافة إلى ضغوط على الاقتصاد المصرى فى مرحلة التعافى الحالية.
كما أن تدهور سعر الجنيه المصرى له الكثير من التداعيات السلبية على الاقتصاد تتمثل فى ارتفاعات فى سعر السلع والمنتجات فى السوق سواء المستوردة أو محلية الصنع، خاصة فى ظل ضعف الرقابة على الأسواق، كما سيكون له أثر سلبى على ميزان المدفوعات، وسيزيد من تكاليف الاقتراض من الخارج عن معدلات الفائدة المعلنة، نظرا لفروق الأسعار.. فبرغم ارتفاع سعر صرف الدولار إلا أن هذا الارتفاع قد يكون مقبولا، لكن زيادته إلى معدلات أكبر قد تكون لها انعكاسات سلبية، وقد تؤدى إلى زيادة معدلات الفقر فى مصر، نظرا لانخفاض الدخول وارتفاع الأسعار المتوقع والذى لن يصاحبه زيادة فى الدخول، نظر للعجز الذى تعانى منه الموازنة العامة والركود الاقتصادى، فإنقاذ هذا الوضع المالى والاقتصادى من التحول إلى وضع أكثر ترديا وانهيارا هو مسئولية الجميع لاسيما خبراء الاقتصاد بما لديهم من فكر وخبرة ورؤية فى التخطيط والتنفيذ لبرامج إصلاح سريعة لعلاج هذا الوضع المتردى والمستمر فى الانهيار.
إن المرحلة القادمة خطيرة للغاية فهى تتطلب وتحتاج "لرجال إنقاذ حقيقيين من أصحاب الضمير الوطنى" من خيار رجال المال والاقتصاد المعروفين بكفاءتهم وخبرتهم الطويلة والقادرين على إدارة الأزمات المالية والاقتصادية، التى تواجهها الدول، ولابد من اختيار شخصية سياسية أو اقتصادية ذات كفاءة تشكل حكومة قوية واختيار المجموعة الاقتصادية، التى تعمل معه وتساعده على تنفيذ فكره بإدخال الوضع المالى والاقتصادى إلى غرفة العناية المركزة، ومن ثم إخراجه إلى غرفة الإفاقة ومن ثم إلى التعافى والعودة من جديد للحياة الطبيعية - الكل شريك فى إعادة مصر من جديد إلى مكانتها، فمصر ليست ملكا لقطاع أو فصيل من الشعب المصرى، بل مصر لكل المصريين.
لابد أن ننحى خلافاتنا السياسية جانبا ونعمل بجدية مشاركين بفاعلية وبوازع وطنى ومسئولية مشتركة فى كتابة روشتة الإنقاذ، التى يدخل بها الوضع المالى والاقتصادى للدولة إلى غرفة العناية المركزة.
رأفت محمد السيد يكتب: الاقتصاد المصرى فى العناية المركزة؟!
الجمعة، 22 فبراير 2013 01:07 م