هناء المداح تكتب: عن التسرب من التعليم أتحدث

الإثنين، 18 فبراير 2013 06:04 ص
هناء المداح تكتب: عن التسرب من التعليم أتحدث صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مَن منا لم يشاهد أثناء سيره فى الطريق صباحًا - خاصة إذا مر أمام مدرسة - بعض التلاميذ الذين يتسلقون سور مدرستهم للهرب لأسباب مختلفة؟.. مَن منا لم يرَ باعة جائلين من الأطفال الصغار الذين يقفون فى إشارات المرور أو يستقلون المواصلات العامة صباحاً أثناء اليوم الدراسى ليبيعوا ما لديهم من أشياء لمساعدة أسرهم الفقيرة والمحتاجة؟.

مَن منا أيضًا لم يسمع فى محيطه أو محيط أحد أقاربه أو أصدقائه عن فتاة يتم حرمانها من التعليم لتزويجها مبكرًا رغم أنها لم تتجاوز الخامسة عشرة من العمر؟..

تعتبر ظاهرة التسرب من التعليم من أكثر الظواهر تعقيدًا فى دول العالم النامى بشكل عام والوطن العربى بشكل خاص، فلها أبعاد وأشكال متعددة ومتشابكة، ويعد التقاعس والتهاون فى دراسة وإدراك أسبابها والعمل بجد وإصرار على القضاء عليها أو حتى التقليل من حدتها كارثة غير محمودة العواقب والنتائج!.. حيث يؤدى انتشارها إلى زيادة الأمية وضعف الإمكانيات البشرية والتدهور الأخلاقى وارتفاع معدلات الجريمة... إلخ!،

تلعب الأسرة الدور الأكبر والأهم فى حياة كل تلميذ، فإما أن تعينه وتساعده على مواصلة التعليم والتفوق والنجاح، وإما أن تتسبب فى فشله عندما تفرط فى تدليله أحيانًا وترضخ لرغباته حتى وإن كان من بينها عدم الذهاب إلى المدرسة!، أو تصيبه فى أحيان أخرى بعقد وأمراض نفسية واجتماعية نتيجة سوء المعاملة واتباع سياسة العنف والضغط وتحميله ما لا يطيق نظرًا لقلة وعى الكثير من أولى الأمر بأساليب التربية السليمة وعدم القدرة على اكتشاف مواهب وقدرات أبنائهم وتوظيفها خير توظيف، مما يؤدى إلى تسرب الكثير منهم من التعليم فيضلوا الطريق ويسلكوا مسالك غير سوية، فمنهم من يقع فريسة سهلة فى يد مَن لا يرحم من أصدقاء السوء وغيرهم ممن يعلمونهم البلطجة والتحرش بالفتيات، فضلًا عن التدخين وإدمان المخدرات والخمور وغير ذلك!..

تضطر الكثير من الأسر الفقيرة أيضًا إلى إجبار أبنائها على ترك التعليم للعمل والمساهمة فى تحسين أوضاعها وإنقاذها من شبحى الجوع والمرض، كما تحرم بناتها من التعليم إما لعدم قناعة تلك الأسر بضرورة تعليم الإناث أصلًا، أو رغبةً منهم فى تزويجهن مبكرًا تخلصًا من عبئهن!!.

أما المدرسة فهى البيئة الثانية التى من المفترض أن تحتضن التلاميذ الصغار وتشعرهم بالأمان والاطمئنان وتزرع بداخلهم حب طلب العلم لما فى ذلك من نفع كبير لهم ولوطنهم وللأمة كلها،

ولكن وللأسف الشديد هذا لا يحدث فغالبية المدارس أصبحت بيئات طاردة ومخربة ومدمرة للنشء وتصيبهم بأمراض نفسية واجتماعية لا حصر لها، بسبب الكثير من المعلمين غير الأكفاء وغير المُؤهَّلين تربويًا وعلميًا الذين يسيئون معاملتهم ويميزون بينهم، فضلًا عن تكدس المناهج الدراسية العقيمة القائمة على الحفظ والتلقين لا الفهم والإدراك والابتكار حيث تركز على النواحى المعرفية دون الوجدانية مما يجعلها مملة!، إلى جانب وضع التلاميذ الأذكياء مع الأقل ذكاء فى فصل واحد دون مراعاة الفروق الفردية!..

ولأن الثانوية العامة تحظى فى العالم العربى برعاية خاصة من الدول والشعوب فتعتبر أزمة فى حياة كل طالب وتظل الأسر فى حالة توتر فى انتظار النتائج والتنسيق، كل هذا والطالب لا يعرف قدراته ومواهبه ولا يجد من يساعده على اكتشافها، لذا فمع ضغوط الأسرة وآراء الآخرين غير السديدة قد يتجه الطالب فى اتجاه لا يتناسب وطبيعة إمكانياته مما يؤدى لضعف نتائجه أو فشله ويتسبب فى تسربه من التعليم.

وللحد من ظاهرة التسرب الدراسى يجب أن تعمل المدارس باستمرار على استثارة دوافع التلاميذ وتشويقهم وترغيبهم فى التعلم، وأن تكون البيئة المدرسية غنية بالأنشطة والمهارات فيتعلم فيها الطالب الخبرات التى ترتبط بحياته فى المجتمع مما يشبع حاجاته النفسية، فيجب أن يصبح التعليم لديه ذا معنى كما يجب معرفة المواهب الحقيقية لكل طفل قبل الدفع به فى مجال الدراسة، فهناك أطفال قد ينجحون فى العمل اليدوى أو فى أى مهنة رغم فشلهم الدراسى، يجب أن تراعى كل أسرة موهبة طفلها وتكتشفها مبكرًا، وكذلك المدرسة والمعلم، كما ينبغى البعد عن الملل فى الحصص الدراسية وإيجاد حوافز وأهداف مبتكرة ومراعاة فصل التلاميذ الأذكياء عن الأقل ذكاء حتى يمكن التعامل مع كليهما بالأسلوب المناسب،

يجب أيضًا توفير فرص التأهيل التربوى والمهنى للطلبة المتسربين من خلال إلحاقهم بمراكز تأهيلية ليتدربوا على مهن مناسبة يفضلونها بهدف حمايتهم من الانحراف وإكسابهم مهن تساعدهم فى المستقبل وتساهم فى تنمية المجتمع .

وأخيرًا.. على الحكومات العربية أن تبذل قصارى جهدها لتحسين أوضاع التعليم المزرية التى تختلف تمامًا عن أوضاع التعليم الراقية فى دول العالم المتقدم، كما ينبغى وبسرعة التصدى بحزم لظاهرتى "عمالة الأطفال والزواج المبكر"، عن طريق التيسير على الأسر الفقيرة لتتمكن من تعليم أبنائها بسهولة بدون معاناة وضغوط، على أن يكون ذلك بمساعدة جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، كما يجب على وسائل الإعلام المختلفة أن يكون لها دور فعال وإيجابى فى تناول هذه الظاهرة باستفاضة لتوعية الأسر والأبناء بخطورتها على كل المستويات.. والله ولى التوفيق.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة